Thursday, October 10, 2013

بسم الله الرحمن الرحيم
المـــقــــدمــــــــة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين : سيدنا محمد   وعلى آله الطاهرين ، وعلى الصحابة رضوان الله عليه ، والتابعين الأخيار من بعده أجمعين .
أما بعـد :
كثير من العلماء طرقوا باب النَّفْسِ واختلفوا في ماهيتها وكنهها، فمنهم من قال : إنها الرُّوح ، ومنهم من قال :إنَّها الجسد ، وآخرون قالوا : هي الإنسان ، ومنهم من قال : هي ذات الشيء ، ومنهم من قال :هي الضَّمير، ومنهم من قال :ما يكون به التمييز ، وقال آخرون :هي حقيقة الشيء ، وقال بعضهم :هي العقل ، وآخرون قالوا : المهجة أو القلب وابن سينا قال : إنها ليست الروح ولا الجسد إنما هي كائن منفصل ، ووضع البراهين على ذلك ، ولكنها ظلت عنده غامضة .
وحقيقة أنَّ النَّفْسَ هِيَ كَائنٌ مُنْفَصِلٌ عَن الرُّوحِ والجسد ، لأنها تكونت بقدرة الله سبحانه وتعالى من بعض عناصر الروح ومن بعض عناصر الجسد ، وهذا عند دخول الروح السماوية في الجسد الأرضي ، كفاصل بين ما هو سماوي وعلوي " الروح " التي هي من أمر الله سبحانه وتعالى وبين ما هو أرضي ودوني "الجسد " ، وهذا الفاصل " هو النفس " التي أصبح لها خواص مميزة ، ميزتها عن كلٍّ من الروح والجسد . وإن صحَّ القول هذا فهو منة من الله تعالى وفضل ، وله الفضل والمنة ، وإن كان خطأ فهو مني و من الشيطان ، فأطلب الصفح والمغفرة من ربِّي الغفور الرحيم . وأقول كما قال الشاعر :
وما أُبرئ نفسي إنني بشر         أسهو وأُخطئ ما لم يحمني قدر
وما ترى عذرا أولى بذي زلل         من أن يقول مقرَّاً إنني بشر
إن هذه النفس لها القدرة على التغيير إلى الأفضل وذلك عن طريق الدين الإسلامي الحنيف ، هذا الدين الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى للناس كافة ، قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا  ) ، وهذا الدين العظيم كان له الأثر الواضح في تغيير النفوس نحو الأفضل والأصلح بالنسبة لمعتنقيه ، قال تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنَّ لهم أجرا كبيرا  ) ، فالمتتبع لمن أسلم وحسن إسلامه في مختلف الأزمان يلاحظ كيف انقلبت حال هؤلاء الأشخاص من حال إلى حال ؛ وصحابة رسول الله   أكبر دليل وبرهان ، قال الرسول   للأنصار عندما تقوَّلوا عند تقسيم الغنائم على أهل مكة وكثر الكلام فيهم : " ألم آتكم ضُلاَّلا فهداكم الله ؟ وعالة فأغناكم الله ؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ . قالوا بلى ! الله ورسوله أمن وأفضل !" . فسرعان ما تغيرت نفوسهم وبكوا ندما ، وكيف نبذ الصحابة رضوان الله عليهم ما تشربت نفوسهم ـ وهم في جاهليتهم ـ من أفكار وقيم ! وذلك بمجرد الدخول في هذا الدين العظيم ؛ وفور تسلل الشعاع النوراني ؛ نور القرآن الكريم إلى نفوسهم .
قد يحاول الكثير منا تغيير نَفْسه إلى الأفضل ، أو تغيير بعض صفات النَّفْس إلى الأحسن ، ولكن تواجه البعض منا العديد من العقبات والمشكلات المعاصرة ، والتي تشربناها عبر عصور التخلف والتجهيل التي مرت بأمتنا منذ عقود من الزمن ، وبُعْد البعض منَّا عن الدّين ، وما غرس المستعمر في نفوس الشباب من قيم رذيلة بعد تزينها بدل القيم الإسلامية النبيلة وذلك بوسائل عدة تهواها النفس ، ونجح في ذلك ، فحلَّ في كثير من النُّفوس ؛ الكذب ، والخيانة والخداع ، وسهولة سرقة أو أكل أموال الغير بالباطل ! ، حتى سيطر الهوى على العقل وسجنه عند هؤلاء ، فصار العقل يعطي قرارات تشبع الهوى والميول ، وهنا ضلَّ الكثير منَّا في هذا الزمن المرّ عن جادة الطريق في التغيير ، وهو ظَانٌ أنَّه يغير النفس إلى الأفضل ، والحقيقة يهوي بنفسه إلى الأسوأ ، فازدادت أمراض النفوس الأرضية الدونية .
ونحن الآن في زمنٍ كَثُرَتْ فيه الفتن كقطع الليل المظلم ، وصرنا بحاجة ماسة لتغيير النفوس أو إصلاحها إلى ما نرغب إليه يقينا ، بغرس الإحسان ، والصدق والإيمان وإماطة الأذى عن الطريق ، وعدم إيذاء الجار ، والعِفَّة والإيثار ، وأكل المال الحلال ، ولا يحصل ذلك ولن يتم هذا التغيير في النفوس إلا بالرجوع إلى ما خلَّفه لنا سيد البشرية   : القرآن الكريم والسنة المشرفة ، وما خلفه لنا السلف الصالح الذين اختارهم الله U ليكونوا صحابة رسول الله   .
فقد عُدَّتْ مَسْأَلَةُ النَّفْسِ مِنْ المسائل المعقدة على مر العصور ، فاستأثرت بقدر كبير من جهود الإنسانية للتعرف على ماهيتها وطبيعتها وعلاقتها بالسلوك الإنساني ، فهي المكون الأول للشخصية الإنسانية .
وكل ما حَلَّ بِأُمَّتنا من مصاعبٍ ومتاعبٍ هو نتاج النَّفْس التي انحرفت عن الفطرة الإلهية ، وصار همُّها الرَّكض وراء المادة وأهواء الجسد الأرضي ، والبعد عن تعاليم السماء ، فصارتْ مرعىً فسيحاً خصيباً يَرْتَعُ فِيهَا الشَّيْطَانُ .






والله يقول الحق وهو الهادي إلى سواء السبيل
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين






الأستاذ : إبراهيم محمود العزة .




النَّفْسُ
النَّفْس ؛ لفظ مشترك كغيره من الألفاظ العربية ، لها معانٍ كثيرة بحسب مقتضيات السياق في الجملة ، وهكذا وردت في القرآن الكريم ، ولها العديد من الدلالات .
تعريف النفس ودلالاتها في اللغة:
يقال: نَفَّسَ: تَنْفيساً ، ونَفَسَاً عنه أي : فَرَّجَ عَنْه   ، وفي الحديث عن النبي محمد r أنه قال : ( منْ نَفَّسَ عن مؤمنٍ كُربة من كُربِ الدّنيا ، نَفَّسَ اللهُ عنْه كُربة من كُربِ يومِ القيامة ) ، وأنْفَسـه الشَّيء : أعْجَبـه وصّـارَ عِـنْده نَفِـيساً ، و" النَّفْس "  : الروح   ، النَّفْس هي الرَّوع ، النَّفْس الشيء والذات ، وحقيقته ، والنَّفْس ما يكون به التمييز  ؛ تكون نفسين ؛ النفس الناهية ، والنفس الآمرة  . والنفس الدم  ، والنفس التمييز ، والنفس بمعنى الأخ  ، والنفس بمعنى عند  ، والنفس قدر دبغة  ، والنفس هي التي تزول بزوال الحياة ، والنفس التي تزول بزوال العقل ، والنفس هي الغيب  ، والنفس يعبر بها عن الإنسان جميعه  ، النفس ما يضمر الإنسان  ، نفسك بمعنى إيّاك  ، والنفس هي العقل  ، والنفس الجسد  ، النفس نفس الشيء   ذاته ، وأطلق النفس على القرب  ، رجل ذو نفس أي أكل وقوة  ، والنفس العين   ، النفس العظمة والكبر ، والنفس العزة ، والنفس الهمّة  ، النفس الشق في القوس والقدح وما أشبهها  ، العرب تُؤنث النفس والنفسين وتذكر الجمع   ".
"النّفس :الجسد. ويقولون ثلاثة " أنفس" فيذكرونه لأنهم يردون به الإنسان " .
" ذو نفس  : ذو خلق . ويقال في نفسي أن أفعل كذا : قصدي ومرادي ، فلان يؤامر نفسيه : له رأيان لا يدري أيهما يثبت ".
" نفسي ونفسك  : حقيقتي وحقيقتك ، النفس الأنفة والعيب والإرادة . والعقوبة قيل : ومنه ( ويحذركم الله نفسه ) آل عمران ، آية : 28 ، 30 .
تَعْريفُ النَّفسِ اصْطِلاحَاً
عرَّف علماءُ المسلمينَ القُدامى والمحدثين النَّفس اصطلاحاً ، ولهُمْ فيها أقوال ، منها :
النَّفْس :" الجوهر البخاري اللطيف ، الحاصل لقوة الحياة، والحس، والحركة الإدارية ، وسميت بـ : "الرُّوح الحيواني  ". إن النَّفْسَ والروح اسمان مرادفان لشيءٍ واحدٍ  ".
النَّفْسُ : " الجوهر المتعلق بالبدن تعلق التدبير، والتصريف أو الجسم النوراني الخفيف الحي المتحرك النافذ في الأعضاء ، الساري فيها ، سريان ماء الورد في الورد  " .
النَّفْسُ : " جوهر قائم بنفسه متعلقة بالجسم ، تعلق التدبير ، والتصريف  " ، فلو وجدَتْ ولا تعلق لها بالجسم لم تكن نفساً بل كانت عقلا ، إذ أن وجود النفس مستلزم لوجود الجسم .
ذكر ابن تيمية  : أن النَّفْسَ ما اقترن بالمادة التي هي ( الهَيُولَى  ) ، وهي الجسم كنفس الإنسان المدبرة لبدنه ، وما دامت نَفْسُ الإنْسانِ مدبرةً لِبَدَنهِ ، سمُّوها نَفْسَاً  .
الغزالي  : عدّ أنَّ معرفة النَّفْس توصل إلى معرفة الله ، قائلاً   : " أنَّ النَّفْس الإنسانية هي الكمال الأول لجسم طبيعي آلي من جهة ما يفعل الأفاعيل بالاختيار العقلي و الاستنباط بالرأي ومن جهة ما يدرك الأمور الكلية  " ، ويقصد بالكمال الأول : أيّ من غير واسطة ، وقوله : جسم طبيعي أي : غير صناعي لا في الأذهان بل في الأعيان ، وقوله آلي أي : ذي آلات يستعين بها ذلك الكمال الأول في تحصيل الكمالات الأخرى  .
النَّفْسُ عِنْدَ عُلَمَاءِ المسلمين قديماً
قدَّمَ علماءُ المسلمين العديد من الأعمال الجليلةً في مجال علم النَّفْس ، غير أن علم النَّفْس لم يكن " صنعة " عند المسلمين يجتمع عليها الدارسون ، كما كان للنحوُ صنعةً خاض فيها النحويون ، والشعرُ صنعةً تبارز فيها الشعراء . فقد خاض الدارسون في مجالات علم النَّفْس بأسلوب علمي ، كالملاحظة ودراسة الحالة والاستبطان ، وكان للمسلمين فضل السبق في هذا المجال .
إنَّ علم النَّفْس تناثر بين المؤلَّفات القديمة التي اعتنت بالسلوك الإنساني الخَيِّر وغير الخَيِّر والكتب الفلسفية . وتُعَد كتبُ السِّيَر ؛ كسيرة ابن هشام وإمتاع الأسماع للمقريزي ، وكتاب الأعلام لخير الدين الزّركلي والمصنفات الأدبية ، مثل : الأغاني ، الإمتاع والمؤانسة ، العقد الفريد ، إذ تحتوي على تفاصيل هامة كانت قد أُهملت أو اختُزِلَتْ. وكذلك المؤلفات الفلسفية التي تضم آراء الفلاسفة في النَّفْسِ ، إضافة إلى بعض النظريات الهامة التي تشكل أساسًا نظريًّا لشرح التصور الإسلامي للإنسان وحياته النَّفْسيَّة.
الخِلافُ بَيْنَ العُلَمَاءِ فِي أنَّ النَّفْسَ هِيَ الرُّوْح
 ( قال الحافظ ابن كثير  : أنَّ السهيلي ذكر الخلاف بين العلماء أنَّ الرُّوحَ هي النَّفْس ، أو غيرها ، وقرَّر أنَّها ذات لطيفة كالهواء ، سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر . وقرَّر أنَّ الرُّوح التي ينفخها المَلَكُ في الجنين هي النَّفْس بشرط اتصالها بالبدن ، واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذمٍّ ، فهي إما نَفْس مطمئنة أو أمارة بالسوء ، كما أنَّ الماء هو حياة الشَّجَر ، ثم يكتسب بسبب اختلاطه معها اسماً خاصاً ، فإذا اتصل بالعنبة منها صار إمَّا مُصْطَاراً أو خمراً ، ولا يُقال لَه : "ماء " حِينَئذٍ إلاَّ على سبيلِ المَجاز ، وكذا لا يقال للنَّفْسِ : " رُوْح " إلاَّ على هذا النَّحو ، وكذا لا يقال للرُّوْحِ : نَفْسٌ إلاَّ باعتبار ما تؤول إليه . فحاصل ما نقول : أنَّ الرُّوْحَ هي أصل النَّفْس ومادتها ، والنَّفْس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن ، فهي من وجهٍ لا من كلِّ وجهٍ . وهذا معنى حسن ، والله أعلم .
 قُلْتُ : وقد تكلم الناس في ماهية الرُّوْح وأحكامها وصنفوا في ذلك كتبا . ومن أحسن ما تكلم على ذلك الحافظ ابن مندة ، في كتاب سمعناه في الرُّوْح ).
ابن مسكويه (ت 421 هـ/1030 م)
اشتهر مسكويه بكتابه " تهذيب الأخلاق " الذي اهتم فيه بالنفس وما يتعلق بها من عوامل . فهو يرى أنَّ النَّفْس ، تأخذ كثيرًا من مبادئ العلوم عن الحواس ، ولها من نَفْسها مبادئ أخرى وأفعال لا تأخذها عن الحواس، وهي المبادئ الشَّريفة العالية التي تُبنى عليها القياساتُ الصَّحيحة.
ورأيه أنَّ النَّفْس العاقلة فينا هي بمثابة المجهر الذي يستدرك شيئًا كثيرًا من خطأ الحواس في مبادئ أفعالها . وهو يضيف في تعريفه للنفس قوله: " فالنفس  ليست بجسم ولا بجزء من جسم ولا بحال من أحوال الجسم ، وإنها شيء آخر مفارق للجسم بجوهره وأحكامه وخواصه وأفعاله " .
ويقسم ابن مسكويه النَّفْسَ إلى ثلاث قوى كما يلي :
1- القوة النَّاطقة ، التي يكون بها الفكر والتمييز والنظر في حقائق الأمور.
2-   القوة الغضبية ، التي يكون بها الغضب والنجدة والإقدام على الأهوال والشوق إلى التسلط والترفع وضروب الكرامات.
3-    القوة الشَّهوية ، التي يكون بها الشَّهوة وطلب الغذاء والشَّوق إلى الملاذ في المآكل والمشارب والمناكح وضروب اللذات الحسية.
ولكلِّ قوة من هذه القوى فضيلة خاصة بها : فالقوة الناطقة فضيلتها الحكمة ، والقوة الغضبية فضيلتها الشجاعة ، والقوة الشهوية فضيلتها العفَّة.
أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ/1111 م)
المستويات الثلاثة للنَفْسِ التي يشير إليها فرويد – الهو والأنا الأعلى والأنا – نجد ملمحًا لها فيما يورده أبو حامد الغزالي في الجزء الثالث من كتابه إحياء علوم الدين (الذي تُرجِمَ إلى الألمانية في العام 1913) عن "النفس الأمارة بالسوء" (الهو) و"النَّفْس اللوامة" (الأنا الأعلى) و"النَفْس المطمئنة " (الأنا) ، ويشير إلى نظامي الدوافع ، والانفعالات التي تعرف غالبا كمركز للغرائز والميول والعواطف والوجدان .
الكِنْدِي
اهتمَّ الكِنْدِي بالتربية والتأديب . حيث قال : إذا وقع من الصبي مخالفات، هي التَّغافل ، ثم التَّوبيخ ، ثم الضَّرب ، " لأنك إنْ عوَّدتَه التوبيخ والمكاشفة حملتَه على الوقاحة " ، ويُمدَح بكلِّ ما يظهر منه من خلق جميل . لاحظنا أنه يحوم حول النفس .
ابن سينا (370- 428 هـ /980- 1036 م)
ابن سينا برع في مجال الفلسفة ، قام  بقياس الانفعال على أساس قياس التغيرات الفسيولوجية المصاحبة له . ففي علاجه لأحد المرضى ، شكَّ ابن سينا في وقوع ذلك المريض في الحب الذي تحول إلى حالة عشق، فحاول معرفة اسم الفتاة التي يعشقها المريض ، مبتكرًا لذلك طريقة طريفة ، مفادها أن يذكر للمريض عدة أسماء لبلاد وأحياء وفتيات ، وكان يقيس في أثناء ذلك سرعة نبضه لمعرفة مقدار الانفعال الذي تثيره عنده هذه الأسماء؛ وقد استطاع بهذه الطريقة أن يعرف اسم الفتاة التي كان يعشقها المريض والمكان الذي تقيم فيه .
وقد أشار ابن سينا ، كما أشار الفارابي من قبل ؛ أن بعض الأحلام يحدث نتيجة تأثير بعض المؤثرات الحسية التي تقع على النائم ، سواء كانت هذه المؤثرات الحسية صادرة من الخارج أو من داخل البدن . قال ابن سينا في هذا الصدد : " ومن عرض لعضو منه بردٌ أو سخنٌ بسبب حرٍّ أو بردٍ حكى له هذا العضو منه ؛ موضوع في نار أو في ماء بارد ". وقال كلٌّ من ابن سينا والفارابي بالرَّمزية في الأحلام .
ويقول ابن سينا عن النَّفْس : النَّفْسُ كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة أي من جهة ما يتولد ويربو ويتغذى  ، وذلك كله ما يسميه " النَّفْس النَّباتية " . وهي كمال أول من جهة ما يدرك الجزئيات ويتحرك بالإرادة وهذا ما يسميه " النَّفْس الحيوانية ". وهي كمال أول من جهة ما يدرك الكليات ويعقل بالاختيار الفكري ، وهذا ما يسميه " النَّفْس الإنسانية " أي : إنَّ النَّفْسَ عند ابن سينا : نباتية ، حيوانية ، إنسانية . ولدينا جسم مستعد وطبيعي لتقبل الحياة .
النَّفْسُ النَّباتيَّةُ : تنمو وتتوالد وتتغذى ولا يفعل النبات أكثر من ذلك
النَّفْسُ الحَيوانيَّةُ : تدرك الجزئيات ، مثلا : تدرك أفعى أو إنسان أمامه ، كما يتحرك بالإرادة ، أي : فيه إرادة توجهه ، مثلا : الأسد بإرادته ممكن أن يقفز على إنسان ويبتلعه .
النَّفْسُ الإنْسَانِيَّةُ : تدرك الكليات ، اختيار فكري أي الحرية الفكرية التي نتوجه لها للاختيار من بين بدائل مختلفة.
كما تصور ابن سينا لأصل النَّفْس : من أين جاءت ؟. وما علاقة النفس بالبدن؟. ما مصير النَّفْس ؟ . وهذه المسألة ظلت غامضة عنده .
عِلاقَةُ النَّفْسِ بِالْجَسَدِ عِنْدَ ابْن سِيْنَا
يذهب ابن سينا إلى وجود علاقة وثيقة بين النَّفْسِ والبَدَنِ ؛ فالتغيرات في الحالات النفسانية التي تحدث في حالات الانفعال مثلا ، يصاحبها أو يتبعها تغيرات في الحالة البدَنية ، يقول ابن سينا" :  جميع العوارض النفسانية يتبعها أو يصاحبها الروح ، إما إلى خارج وإما إلى داخل.. والحركة إلى خارج إما دفعة كما عند الغضب ، وإما أوّلاً فأولا كما عند اللذّة وعند الفرح المعتدل ، والحركة إلى داخل إما دفعة كما عند الفزَع ، وإما أوّلاً فأولا كما عند الحزن " .
ويعني ابن سينا بحركات الروح وحركات الدم ، أن الإنفعال تصاحبه تغيرات فسيولوجية كثيرة ، من أهمها ما حدث من تغيرات في الدورة الدموية إذ تزداد سرعةُ وشدة خفقان القلب ، وينتج عن ذلك زيادة كمية الدم التي يرسلها القلب إلى أجزاء البدن ، وتنقبض الأوعية الدموية الموجودة في الأحشاء ، وتتسع الأوعية الدموية الموجودة في الجلد والأطراف ، ولذلك يشعر الإنسان عند الغضب بالحرارة تتدفق في وجهه وبدنه ويحمرّ وجهه . ويلاحَظ كذلك أن الإنسان في حالة الفزع الشديد يصفرّ وجهُه بسبب حركة دمه إلى الداخل ، وهذا ما عبّر عنه ابن سينا بقوله : " والحركة إلى داخل إما دفعةً كما عند الفزع " .
البَرَاهِينُ عَلَى وُجُودِ النَّفْسِ وَمُغَايَرَتُهَا عَن البَدَنِ وَالرُّوْحِ عِنْدَ ابْن سِيْنَا:
برهان الحركة القسرية والإرادية : " كالطائر الذي يحلق في الجو بدل أن يسقط .. هذه الحركة المضادة للطبيعة تستلزم محركاً خاصاً زائداً على عناصر الجسم المتحرك وهو النفس .. وبالجملة كل ما يكون مبدأ لصدور أفاعيل ليست على وتيرة واحدة عادمة للإرادة فإنما نسميه " نفساً " .
برهان الاستمرار : أي تجدد الجسم وثبات علوم النفس وخبرتها ،
برهان" الأنا " فهو يقول :  "الإنسان يشير إلى نفسه " ، " بأنا مغاير لجملة أجزاء البدن ، فهو شيء وراء البدن " .
برهان الإنسان المعلق في الهواء : حيث استنتج منه أنَّ للذات التي أثبت وجودها خاصية على أنه هو بعينه " أي الإنسان بعينه " غير جسمه وأعضائه المتثبت ، فإذن المثبت له سبيل إلى أن يثبته ، على وجود النفس شيئاً غير الجسم ، بل غير جسم ، وانه عار به ، مستشعر له .
البرهان النَّفْسِي : وهو تعقل الإنسان للمعقولات المجردة عن المادة : " إذ القوى المحركة والمدركة والحافظة للمزيج شيء آخر لك أن تسميه بالنَفْس وهذا هو الجوهر الذي يتصرف في أجزاء بدنك ، فهذا الجوهر فيك وهو أنت على التحقيق ، كما رفض ابن سينا وجود النفس قبل البدن، فالنفس عند ابن سينا واحدة ، وقواها متعددة ، وأعلى النفوس هي النفس الناطقة الإنسانية .
دَلالاتُ النَّفْسِ حَسَب مُقْتَضَيات السِّياق القُرْآني لِلآيات ، أَبْرَزُهَا :
ورد لفظ كلمة ( النَّفس ) في القرآن الكريم مائتين وخمس وتسعين مرة ، ما بين المعرف وغير المعرف والمفرد والجمع ، ومعها كلمة تنفس ، غير الضمائر التي تعود عليها ، ولها دلالات مختلفة يبرزها تفسير الآيات من خلال القرآن الكريم ، مثل : ذات الإنسان ، كنهه ، دواخل الإنسان ، تأتي بمعنى أحد ، الأهل والعشيرة وأفراد العائلة ، تأتي بمعنى الإنسان ، تأتي بمعنى العقل ، القلب ، الضمير ، الغيب ، الروع ، الروح إياه ، الذات ألاهية ما يكون به التمييز . تأتي النفس أحيانا في موضع الصدارة من كلمات الله U ، كما في سورة النساء ، و الطلاق ، والقيامة .
تَفْسِيرُ الآياتِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَى كَلِمَةِ نَفْس فِي القُرْآنِ الكَريمِ :
كَلِمَةُ النَّفْسِ فِي سُوْرَةِ البَقَرَةِ :
قال تعالى : ( يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) البقرة : 9 . أي : المنافقون   من الأوس والخزرج ومن كان على شاكلتهم  ، بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر ، يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك ، وأن ذلك نافعهم عنده ، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين ، كما قال تعالى ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ) المجادلة : 18 ، ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله : ( وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أنْفُسَهم وما يشعرون ) يقول : ما يَغُرُّون بصنيعهم ولا يخدعون إلا أنفسهم ، وما يشعرون بذلك من أنفسهم ، كما قال تعالى : ( إنَّ المنافقين يُخَادعون الله وهو خَادِعُهُم ) النساء : 142 . قال ابن جرير : فإن قال قائل : كيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعا ، وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا التقية ؟ .
قيل : لا تمنع العرب أن تسمي من أعطى بلسانه غير في ضميره تقية ، لينجو مما هو له خائف ، مخادعاً ، فكذلك المنافق ، سمي مخادعاً لله وللمؤمنين ، بإظهاره ما أظهر بلسانه تقية ، مما بخلص به من القتل والسبي والعذاب العاجل ، وهو لغير ما أظهره مستبطن ، وذلك من فعلِه ـ وإن كان خداعاً للمؤمنين في عاجل الدنيا ـ فهو لنفسه بذلك من فعله خادع ، لأنه يُظْهِر لها بفعله ذلك بها أنَّه يعطيها أمنيّتها ، ويُسقيها كأس سرورها ، وهو موردها حياض عطبها ، ومُجرّعها به كأس عذابها ، ومُذيقها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبَلَ لها به ، فذلك خديعته نفسه ، ظناً منه ـ مع إساءته إليها من أمر معادها ـ أنه إليها محسن ، كما قال تعالى : ( وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) إعلاماً منه عِبَادَه المؤمنين أنّ المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسْخَاطهم عليها ربهم بكفرهم ، وشركهم وتكذيبهم ، غير شاعرين ولا دارين ، ولكنهم على عمى أمرهم مقيمين .فالنفس هنا حقيقة الإنسان .
قال تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) البقرة : 44 . يقول تعالى : كيف يليق بكم يا معشر أهل الكتاب ، وأنتم تأمرون الناس بالبر ، وهو جماع الخير أن تنسوا أنفسكم ، فلا تأتمروا بما تأمرون الناس به ، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب ، وتعلمون ما فيه على من قَصَّر في أوامر الله ؟ أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم ؛ فتنتبهوا من رَقدتكم ، وتتبصروا من عمايتكم . وهذا كما قال : عبد الرزاق عن مَعْمَر ، عن قتادة في قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) قال : كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ، ويخالفون ، فَعَيَّرهم الله U . ( وتنسون أنفسكم ) أي : تتركون أنفسكم . أي : تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعَهْد من التوراة ، وتتركون أنفسكم   ، أي : وأنتم تكفرون بما فيها من عَهْدي إليكم في تصديق رسولي ، وتنقضون ميثاقي ، وتجحدون ما تعلمون من كتابي . وهنا الذات الإنسانية الموجه إليهم الخطاب  .
قال تعالى : ( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً  ) ، لما ذكرهم الله تعالى بنعمه أولا ، عطف على ذلك التحذير من حُلُول نقمه بهم يوم القيامة فقال : ( واتقوا يوما ) يعني يوم القيامة ( لا تجزي نَفْس عن نفس شيئا ) أي : لا يغني أحد عن أحد ، كما قال : ( ولا تزر وازرة  وزر أُُخرى ) الأنعام ، آية 164, وقال : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأنٌ يغنيه ) عبس ، آية : 37 ، وقال : ( يأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والدٌ عن وَلَدِهِ ولا مَوْلُودٌ جازٍ عن والدِهِ شيئا ) لقمان ، آية :33 . فهذا أبلغ المقامات : إنَّ كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا .
قال تعالى : ( وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أنْفُسَكُم باتِّخَاذِكُمُ العِجْلَ فَتُوبُوا إلَى بَارِئكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئكُمْ ) البقرة : 54 . هذه صفة توبته تعالى على بني إسرائيل من عبادة العجل ، قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ ، في قوله تعالى : ( وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أنْفُسَكُم باتِّخَاذِكُمُ العِجْلَ ) فقال : ذلك حين وقع في قلوبهم من شأن عبادتهم العجل ما وقع حين قال تعالى : ( ولما سُقِطَ في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ) الأعراف ، آية : 149 . قال : فذلك حين يقول موسى : ( يَا قَوْمِ إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أنْفُسَكُم باتِّخَاذِكُمُ العِجْلَ ) . وقال أبو العالية ، وسعيد بن جبير ، والربيع بن أنس : (فَتُوبُوا إلَى بَارِئكُمْ ) : أي إلى خالقكم . قلت : وفي قوله ها هنا : (إلَى بَارِئكُمْ ) تنبيه على عظم جرمهم ، أي : فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره . وهنا أخبرهم تعالى أن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم كل من لقي من والد وولده ، فيقتله بالسيف ، ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن . فتاب أولئك الذين كانوا خفي على موسى وهارون ما اطلع الله على ذنوبهم ، فاعترفوا بها ، وفعلوا ما أمروا به فغفر الله للقاتل والمقتول . قال تعالى لبني إسرائيل على لسان سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم) البقرة : 54 . قال ابن جرير : حدثني عبد الكريم بن الهيثم ، حدثنا إبراهيم بن بشّار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : أبو سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أمر موسى قومه عن أمر ربه سبحانه وتعالى أن يقتلوا أنفسهم ، قال : وأخبر الذين عبدوا العجل فجلسوا ، وقام الذين لم يعكفوا على العجل ، فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة ، فجعل يقتل بعضهم بعضا ، فانجلت الظلمة عنهم ، وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل، كل من قتل منهم توبة ، وكل من بقي له توبة . وقال ابن جرير : قام بعضهم إلى بعض بالخناجر فقتل بعضهم بعضا ، لا يحنو رجل على قريب أو بعيد . وقال عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم : اخترطوا السيوف والجزرة والخناجر والسكاكين . قال : وبعث عليهم ضبابه , قال : فجعلوا يتلامسون بالأيدي ، ويقتل بعضهم بعضا , وقال : ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله وهو لا يدري . تأتي النَّفْسُ الأولى في الآية بمعنى الذات ، والنفس الثانية في الآية بمعنى الأب والابن والأخ والعم والخال والصاحب وحتى أبناء العشيرة الواحدة .
قال تعالى : ( وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) البقرة : 57 .قال الكسائي : في قوله تعالى : ( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )  أي : أمرناهم بالأكل مما رزقهم الله وأن يعبدوا ، فخالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم ، هذا مع ما شاهدوه من الآيات والمعجزات  القاطعات ، وخوارق العادات ، ومن هاهنا تتبين فضيلة أصحاب محمد   ورضي الله عنهم على سائر أصحاب الأنبياء ، في صبرهم وثباتهم وعدم تعنتهم ، مع ما كانوا معه في أسفاره وغزواته ، منها عام تبوك ، في ذلك القيظ والحر الشديد والجهد ، لم يسألوا خرق عادة ، ولا إيجاد أمر ، مع أن ذلك كان سهلا على النبي   ، ولكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم فجاء قدر مَبْرك الشاة ، فدعا الله فيه ، وأمرهم فملؤوا كل وعاء معهم . وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل الله تعالى ، فجاءت سحابة فأمطرتهم ، فشربوا وسقوا الإبل وملؤوا أسقيتهم . ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر . فهذا الأكمل في الاتباع المشي مع قدر الله ، ومع متابعة الرسول   . (كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) أي : الناس الذين أوقعوا الظلم على ذاتهم  .
قال تعالى : ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسَاً فَاْدَّارَءْتُمْ فِيْهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) البقرة : 72 . قال البخاري : ( فَاْدَّارَءْتُمْ فِيْهَا ) اختلفتم ، والضحاك : اختصمتم فيها ، وقال ابن جريج : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسَاً فَاْدَّارَءْتُمْ فِيْهَا ) قال بعضهم : أنتم قتلتموه ، قال آخرون : بل أنتم قتلتموه  . والقصة تقول ؛ كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له ـ على عهد موسى ، عليه السلام ـ له مال كثير ولم يكن له وارث غير ابن أخيه فطال عليه حياته ، فقتله ليرثه ثم حمله ليلا فوضعه على باب مدينة مجاورة لمدينتهم لبني إسرائيل ، فصار كل واحد من أهل المدينتين ينفي التهمة عن نفسه ويتهم الآخر ، حتى حملوا السيوف ، إلى أن اهتدوا ليحكموا سيدنا موسى عليه السلام في الأمر ويعرف القاتل  . والقتل يكون عادة بإفساد الجسد ، فيصبح الجسد غير صالح لمكوث الروح فيه ، فتخرج الروح ، فتموت النفس .سنذكر هذا عند موت النفس .
قال تعالى : ( وإذْ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم  ) البقرة ، 84 ، 85.  أي : أهل الملة الواحدة ، بمنزلة النفس الواحدة . يقول تبارك وتعالى ، منكرا  على اليهود الذين كانوا في زمان رسول   بالمدينة ، وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج ، وذلك أن الأوس والخزرج ، وهم الأنصار ، كانوا في الجاهلية عُبّاد أصنام ، وكانت بينهم حروب كثيرة ، وكانت يهود المدينة ثلاث قبائل : بنو قينقاع . وبنو النضير . حلفاء الخزرج . وبنو قريظة : حلفاء الأوس . فكانت الحرب إذا نشبت بينهم : قاتل كل فريق مع حلفائه ، فيقتل اليهودي أعداءه ، وقد يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر ، وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم . ويخرجونهم من بيوتهم وينتهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال ، ثمّ إذا وضعت الحرب أوزارها استفكّوا الأسارى من الفريق المغلوب ، عملا بحكم التوراة .. " النفس " هنا أهل الملة الواحدة .
قال تعالى : ( أفكُلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) البقرة : 87 . أي : حسب ما يرغبون ، نعت تبارك وتعالى بني إسرائيل بالعتو والعناد والمخالفة ، والاستكبار  على الأنبياء وأنهم يتبعون أهواءهم ، فذكر الله تعالى أنه آتى موسى الكتاب " التوراة " فحرَّفوها وبدَّلوها وخالفوا أوامرها وأوَّلوها ، وكانت بنو إسرائيل تعامل الأنبياء عليهم السلام أسوأ معاملة ، ففريقا يكذبون . وفريقا يقتلون ، وما ذاك إلاّ لأنهم كانوا يأتون بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم ، وبالتزامهم بأحكام التوراة التي قد تصرّفوا في مخالفتها ، فلهذا كان ذلك يشق عليهم ، فيكذبونهم ، وربما قتلوا بعضهم . حسب الأهواء التي تميل وترغب إليه ذواتهم ، وهذه النَّفْس تميل بصفاتها وأهوائها نحو الجسد الأرضي الدوني .
قال تعالى : ( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن يُنزّل الله من فضله على من يشاء من عباده فَبَاءُو بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ) البقرة : 90 . قال مجاهد : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) يهودُ شَرَوُا الحقَّ بالباطل ، وكتمان ما جاء به محمد   بأن يبينوه . وقال السدي : (بئسما اشتروا به أنفسهم ) يقول باعوا به أنفسهم ، يقول : بئسما اعتاضوا لأنفسهم ورضوا به وعدلوا إليه من الكفر بما أنزل الله على محمد   عن تصديقه ومؤازرته ونصرته . وإنما حملهم على ذلك البغي والحسد والكراهية ( أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) ولا حسد أعظم من هذا  . أي بدلوا الكفر بالإيمان ، واشتروا : أي : أخذوا سلعة الكفر ، وشروا : أي باعوا وأخذوا الثمن  . وهنا النفس تعني : الإنسان ذاته .
قال تعالى : ( ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ) البقرة : 102 . بئس : فعل ماض يفيد الذم ، ( ولبئس ما شروا به أنفسهم ) أي البديل   ما استبدلوا به من السحر عوضا عن الإيمان ، ومتابعة الرسل لو كان لهم علم بما وعظوا به . هؤلاء باعوا أنفسهم للشيطان  . أي : ذواتهم .
قال تعالى : ( ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفّارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) البقرة : 109 ، وهنا في الآية تحذير للمؤمنين من كفار أهل الكتاب ، ويبين الله تعالى عداوتهم للمؤمنين ، محاولين إرجاعهم للكفر حسدا مع أنهم يعترفون بفضل المؤمنين وفضل نبيهم ، وكان هذا الحسد من دواخلهم  حملهم على الجحود من بعد ما أضاء لهم الحق ، ولم يجهلوا منه شيئا . ( عند أنفسكم ) أي : عندكم ، الضمير يعود على الإنسان .
وقال تعالى : ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله والله بما تعملون بصير  ) البقرة : 110 . أي : كل ما تعملوا من خير تجدوه مدخرا لكم عند الله سبحانه . ( لأنفسكم ) أي : لكم ، الضمير يعود على الإنسان.
قال تعالى : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) البقرة 123. ( نفس عن نفس ) أي لا يغني أحد عن أحد . أو إنسان عن إنسان . ( واتقوا ) الواو عائدة على بني إسرائيل ومن هم على شاكلتهم ، أن لا يجحدوا نعم الله عليهم ، وحثهم على اتباع الرسول النبي الأمي الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأمته . فحذرهم الله سبحانه وتعالى من كتمان هذا ، وكتمان ما أنعم به عليهم ، وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم من النعم الدنيوية والدينية ، ولا يحسدوا بني عمهم العرب على ما رزقهم الله من إرسال الرسول الخاتم منهم ، ولا يحملنهم الحسد على مخالفته وتكذيبه ، والحيد عن موافقته ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين . ومن يعمل هذه الأعمال السيئة الحسد والعداوة وكتمان ما في كتبهم ، وكتمان النعم ، فيوم القيامة ، لا يغني أحد عن أحد ولا تقبل الشفاعة لهم وكل يجازى على أعماله .
قال تعالى : ( من يرغب عن ملة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه  ) البقرة 130 . أي   من يخالف طريقته ومنهجه ويرغب عنها فقد ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال ، حيث خالف طريق من اصطفى في الدنيا للهداية والرشاد . ( سفه نفسه ) سفه الإنسان ذاته .
قال تعالى : ( ولنبْلُونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ) البقرة : 155 . أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده للاختبار والامتحان ، كما قال تعالى : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ) محمد آية 31 . فتارة بالسراء ، وتارة بالضرّاء من خوف وجوع ، كما قال تعالى : ( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ) النحل ، آية : 112 . فإن الجائع والخائف كلّ منهما يظهر عليه ؛ ولهذا قال : لباس الجوع والخوف . وقال هاهنا ( بشيء من الخوف والجوع ) أي : بقليل من ذلك ( ونقص من الأموال ) أي : ذهاب بعضها ( والأنفس )   كموت الأصحاب والأقارب والأحباب ـ والموت لا يكون إلا للنفس ـ ( والثمرات ) أي : لا تُغِلّ الحدائق والمزارع كعادتها . قال بعض السلف : فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحدة ، وكل هذا وأمثاله مما يخبر الله به عباده ، فمن صبر أثابه ، ومن قنط أحلّ به عقابه .
قال تعالى : ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنَّ ) البقرة : 187 . أي : تجامعون النساء وتأكلون وتشربون بعد العشاء في رمضان ، كان الناس   في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام ، حُرّم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد . فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي   ذات ليلة وقد سَمَرَ عنده ، فوجد امرأته قد نامت ، فأرادها ، فقالت :إنّي قد نمت ! فقال : ما نمت ! ثمّ وقع بها . وصنع كعب بن مالك مثل ذلك ، فغدا عمر بن الخطاب إلى الرسول   فأخبره ، فأنزل الله سبحانه وتعالى الآية ... أي : تخدعون ذاتكم .
قال تعالى : ( ومن الناس مَنْ يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رَءُوف بالعباد ) البقرة ، آية :207 . نزلت في صهيب بن سنان الرومي ، وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة ، منعه الناس أن يهاجر بماله ، وإن أحب أن يتجرّد منه ويهاجر فَعَلَ ، فتخلص منهم وأعطاهم ماله ، فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرّة وقالوا له : رَبح البيع ، فقال : وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم ، وما ذاك ؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية ، ويروى أن رسول الله   قال له : " ربح البيع صهيب ! ربح البيع صهيب !" . يشري نفسه ، أي يبيع ذاته .
قال تعالى : ( وَقَدِّمُوا لأنفسكم واتّقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشّر الصابرين ) البقرة : 223 . أي  : من عمل الطاعات ، مع امتثال ما نهاكم عنه من ترك المحرمات ، فالله تعالى يحاسبكم على أعمالكم جميعا . أي : قدِّموا لذاتكم  ، والنفس هنا تميل إلى العناصر الروحية .
قال تعالى : ( والمطلقات يتربَّصْنَ بأنفسهن ثلاثة قروء ) . البقرة 228 . أي   : تمكث المطلقة بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروء ثمّ تتزوج إن شاءت ، والقرء : الإطهار ، أو الحيض . المقصود من كلمة النفس ، هي المرأة المطلقة ذاتها .
قال تعالى : ( ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) ، البقرة 231 . أي  : بمخالفة أمر الله تعالى ، لأنه كان الرجل يطلّق المرأة ، فإذا قاربت انقضاء العدّة راجعها ضرارا ، لئلا تذهب إلى غيره ، ثم يطلقها فتعتد ، فإذا شارفت على انقضاء العدّة طلق لتطول عليها العدة فنهاهم الله عن ذلك وتوعدهم . أي : في هذا العمل يريد أن يظلم زوجته ، والحقيقة بهذا العمل ظلم ذاته بما يلاقيه من عذاب يوم القيامة ، لمخالفة أوامر الله تعالى .
قال تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تُكلَّف نفس إلاّ وسعها ) البقرة 233 . أي على والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف ، وذلك بما جرت به العادة أمثالهن في بلدهن من غير إسراف ولا قتار ، بحسب قدرته في يساره وتوسطه واقتداره ، كما قال تعالى : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قُدِر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلاّ ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا ) الطلاق ، آية : 7 . المقصود أن الله لا يكلف أحدا إلا حسب قدرته وطاقته .
قال تعالى : ( والذين يتوفَّون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنَّ بالمعروف والله بما تعملون خبير ) البقرة ، آية : 234 .هذا أمر من الله للنساء اللآتي يتوفى عنهن أزواجهن  : أن يتعددن أربعة أشهر وعشر ليال ، وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بِهنَّ وغير المدخول بِهنَّ بالإجماع ، ومستنده  في غير المدخول بها عموم الآية الكريمة ، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي : أن ابن عباس سئل عن رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ، ولم يفرض لها ، فترددوا إليه مرارا في ذلك ، فقال : أقول فيها برأيي ، فإن يك صوابا فمن الله ، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه : لها الصداق كاملا . وفي لفظ : لها صداق مثلها ، لا وكس ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث ، فقام معقل بن يسار الأشجعي فقال : سمعت رسول الله   قضى به في بروع بنت واشق ، ففرح عبد الله فرحا شديدا . أي : المرأة التي توفي عنها زوجها .
قال تعالى : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم ، علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرّا  إلاّ أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور رحيم ) البقرة ، آية 235 . أي : أضمرتم   في أنفسكم أي داخلكم أو أخفيتم  خطبتهن ، وهذا كقوله تعالى : ( وربك يعلم ما تكن صدوركم وما يعلنون ) القصص ، آية 69 .أضمرتم ، أو دواخلكم . وقوله تعالى : ( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ) توعدهم على ما يقع في ضمائرهم من أمور النساء ، وأرشدهم إلى إضمار الخير دون الشر ، ثم لم يُؤْيسْهم من رحمته ، ولم يُقْنطهم من عائدته ، فقال : ( واعلموا أنَّ الله غفور حليم ) .
قال تعالى : ( والذين يتوفَّون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم ) البقرة ، آية 240 . أي : إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت في وصيتها  وإن شاءت خرجت ، وهذا من باب الوصاة بالزوجات بأن يمكن من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولا كاملا ، إن اخترن ذلك . ( ما فعلن في أنفسهن ) أي : النساء .
قال تعالى : ( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل حبة بربوة أصابها وابلٌ فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير ) البقرة ، آية : 265 .تثبيتا من أنفسهم  ، أي : وهم متحققون ومتثبتون أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء ، وقال الشعبي : أي تصديقا ويقينا . ( من أنفسهم ) من ذاتهم .
قال تعالى : ( وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ) البقرة ، آية : 272 . كقوله : ( من عمل صالحا فلنفسه ) فصلت ، آية : 46 ، الجاثية ، آية : 15 . ونظائرها في القرآن كثيرة . أي : يعود الخير عليكم أو يدّخره الله تعالى لكم مقابل ما أنفقتم من خير . ( لأنفسكم ) أي : للإنسان .
قال تعالى : ( واتَّقُوا يَوْمَاً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) البقرة ، آية :281 . إن الله تعالى يعظ عباده ويذكرهم زوال الدنيا وفناء ما فيها من الأموال وغيرها ، وإتيان الآخرة ، والرجوع إليه تعالى ، ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا ، ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير وشر ، ويحذرهم عقوبته  . كما روي أن هذه الآية آخر آية نزلت من القرآن العظيم  .
قال تعالى : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) البقرة ، آية : 284. ( تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ) أي : ما تظهروا أو تخفوا ما في  داخلكم  ، يخبر تعالى   أن له ملك السموات والأرض وما فيهن وما بينهن ، وأنه المطلع على ما فيهن ، لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر ، وإن دقت وخفيت ، وأخبر أنه سَيُحاسب عباده على ما فعلوه ، وما أخفوه في صدورهم كما قال تعالى : ( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير ) آل عمران ، آية : 29 ، وقال : ( يعلم السر وأخفى ) طه ، آية : 47 ، والآيات في ذلك كثيرة جدا ، وقد أخبر في هذه بمزيد من العلم ، وهو المحاسبة على ذلك ، ولما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وخافوا منها ، ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها ، وهذا من شدة إيمانهم وإيقانهم . وهذه الآية نسخت بـ (لا يكلِّف الله نفسا إلاّ وسعها) .
وقال تعالى : ( لا يكلِّف الله نفسا إلاّ وسعها ) البقرة : 286. أي : لا يكلف الله تعالى أحداً فوق طاقته ، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم ، وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة ، في قوله : وإن تُبْدُوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) البقرة :284 . أي : التكليف لا يكون إلا للنفس ، ولكل نفس طاقة فيكون التكليف حسب استطاعتها أو طاقتها . والنفس بمعنى أحد .
ورود كلمة النفس في سورة آل عمران :
قال تعالى : ( ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) آية : 25. أي : كيف يكون حالهم وقد افتروا على الله وكذَّبوا رُسلَه وقتلوا أنبياءه ، والعلماء من قومهم ، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، والله تعالى سائلهم عن ذلك كله ، ومحاسبهم عليه ، ومجازيهم به ؛ ولهذا قال : ( فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ) أي : لا شك في وقوعه وكونه (ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )  .  وهنا النفس بمعنى الإنسان . ما يقوم به الإنسان من خير أو شر يكون ذلك من عمل النفس .
قال تعالى : ( ويحذركم الله نفسه ) آية :28 أي : يحذركم عقاب الله سبحانه ، يحذركم نقمته في مخالفته وسطوته في عذابه لمن والى أعداءه وعادى أولياءه  .
قال تعالى : ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير مُحْضَرَا وما عملت من سوء تود لو أنَّ بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد )30 آية : أي : الإنسان ، هذا يوم القيامة يحضر للعبد جميع الأعمال التي قامت بها نفسه من خير ومن شرّ ، كما قال تعالى :( ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدَّم وأخَّرَ ) القيامة ، آية : 13 ، فما رأى من أعمال حسناً سرّه ذلك وأفرحه ، وما رأى من قبيح ساءه وغاظه ، وود لو أنه تبرأ منه ، وأن يكون بينهما أمدا بعيد ، كما يقول لشيطانه الذي كان مقرونا به في الدنيا وهو الذي جرَّأه على فعل السوء : ( يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ) ، الزُّخرف : 38 ، ثم َّ قال تعالى مؤكدا ومهددا ومتوعدا ( ويحذركم الله نفسه ) أي : يخوفكم عقابه  أو إياه ، الذات الإلهية U .
قال تعالى : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) آية : 61 ، أي : نحضرهم في حال المباهلة ،( ثم نبتهل ) أي نلتعن  ؛ ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) أي : منا أو منكم  . الله تعالى آمرا الرسول   أن يباهل من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان ، وهنا يقصد أن نحضرهم في حال المباهلة ،أي نلتعن نحن أو أنتم ، وهم وفد نجران ، أن النصارى لما قدموا فجعلوا يحاجون في عيسى ، ويزعمون فيه ما يزعمون من النبوة والإلهية ، وإنهم خافوا من المباهلة مع رسول الله   .
قال تعالى : ( ودَّت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ) آية : 69 ، أي : نفس اليهود المائلة للجسد الأرضي الدوني التي لا تؤمن إلا بالماديات ، فيخبر الله تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين ، وبغيهم إياهم الإضلال ، وأخبر أن وبال ذلك يعود على أنفسهم وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم   . والنفس بمعنى ذاتهم .
قال تعالى : ( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إسْرَائيلَ إلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ) آية : 93 . قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا عبد الحميد ، حدثنا شَهْر قال : قال بن عباس : حضرت عصابة من اليهود نبي الله   فقالوا : حدِّثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي . قال : " سَلُوني عَمَّا شِئْتُم ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لي ذِمَّةَ اللهِ ، وَمَا أخَذَ يَعْقُبُ عَلَى بَنِيه ، لَئِنْ أنا حَدَّثُتُكُمْ شيئا فعرفتموه لِتُتَابِعُنِّي على الإسلام " . قالوا : فذلك لك . قال : " فَسَلُوني عَمَّا شِئْتُمْ " قالوا : أخبرنا عن أربع خلال : أخبرنا أيُّ الطعام حرَّم إسرائيل على نفسه ؟ وكيف ماء المرأة وماء الرجل ؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى ؟ وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم ؟ ومن وليه من الملائكة ؟ فأخذ عليهم العهد لئن أخبرهم ليتابعنه وقال : " أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى : هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا وطال سقمه ، فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه لَيُحَرِّمَنَّ أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام إليه لُحْمان الإبل ، وأحب الشراب إليه ألبانها ؟ " فقالوا : اللهم نعم . قال : " اللهم اشهد عليهم " . وقال : " أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، الذي أنزل التوراة على موسى : هل تعلمون أنَّ ماء الرَّجل أبيض غليظ ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا كان له الولد والشَّبه بإذن الله ، إن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله ، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى بإذن الله ؟ " . قالوا نعم . قال : " اللهم اشهد عليهم " . قال : " أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى : هل تعلمون أنَّ هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه ؟ " . قالوا اللهم نعم . قال : " اللهم اشهد " . قالوا : وأنت الآن فحدثنا عن وليُّك من الملائكة ؟ فعندها نجامعك أو نفارقك . قال : " إن وليِّي جبريل ، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليُّه " . قالوا : فعندها نفارقك ، لو كان وليك غيره لتابعناك ، فعند ذلك قال الله تعالى : ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوَّا لجبريل ) لبقرة ، آية : 97 . أي : الذي فرض هذا التحريم هو إسرائيل ـ يعقوب عليه السلام ـ فضيَّق على نفسه وعلى من اتبعه ، أي كان حلا لهم ، جميع الأطعمة قبل نزول التوراة إلا ما حرمه إسرائيل  . أي ما حرَّم على ذاته .
قال تعالى : (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صِرٌّ أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ) آية : 117 ، أي : فأحرقته ، يعني السفعة إذا نزلت على حرث قد آن جذاذه أو حصاده فدمرته وأعدمت ما فيه من ثمر أو زرع ، فذهبت به وأفسدته ،، فعدمه صاحبه أحوج ما كان إليه . فكذلك هؤلاء بنوها على غير أصل وعلى غير أساس   . وقال تعالى : ( وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ) آية : 117، فالإنسان يظلم ذاته بتوجيهها نحو ما يغضب الله تعالى ورسوله . النفس هنا بمعنى ذاتهم وحقيقتهم .
قال تعالى : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم وذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) آية : 135، أي : إذا صدر منهم ذنب ـ وبعمل هذا الذنب يحدث ظلم النفس ـ اتبعوه بالتوبة والاستغفار   .
قال تعالى : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين ) آل عمران : آية : 145 . أي : لا يموت أحد إلا بقدر من الله ، وحتى يستوفي المدة التي ضربها الله له ؛ ولهذا قال : ( كِتَاباً مُؤَجَّلا ) .
قال تعالى : ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلى الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ) آية : 154  ، يعني : لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف  . وقال تعالى : ( قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ). أي : دواخلهم .
قال تعالى : ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )  آية : 161 ، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد . فيعاقب الإنسان على ما غلَّ .وهو إخفاء شيء من الغنيمة قبل تقسيمها ، ويدخل في ذلك استغلال المنصب ،والأخذ من مال العام ، والجزاء من جنس العمل .
قال تعالى : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) آية : 164 ، أي من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به ، كما قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ) الروم : 21 ، أي من جنسكم   .
قال تعالى : ( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ) آية : 165، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد من العام المقبل ، عوقبوا بما صنعوا يوم بدر بأخذهم الفداء ، فقتل منهم سبعون ، وفرَّ أصحاب الرسول   عنه ، وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، أي قتل من المسلمين في أحد بعدة أسارى بدر   وقول آخر : بسبب عصيانكم لرسول الله   حين أمركم أن لا تبرحوا مكانكم فعصيتم ، يعني الرماة ، النفس تكون سببا في المصيبة .
قال تعالى : (  قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) آية : 168 ، أي : إن كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت ، فينبغي أنكم لا تموتون ، والموت لا بدَّ آتٍ إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة ، فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين   . فالحريص شديد الحرص على الدنيا ، هل يستطيع أن يبعد الموت عن نفسه إذا جاء أجلها ؟!!، لأن الموت يكون للنفس وذلك عند خروج الروح من الجسد .
قال تعالى  ( ولا يحسبنَّ الذين كفروا أنَّما نُملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ) آية : 178. كقوله : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) المؤمنون ، آية : 55 ، 56 . وكقوله : ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) القلم ، آية : 44 . وكقوله : ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) التوبة ، آية : 55 . فالكافر تميل نفسه دائما نحو عناصر الجسد الأرضي ـ نحو الإثم ـ ويخال أنه يعمل الصالحات .
قال تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أُجوركم يوم القيامة ) آية : 185، يخبر تعالى إخبارا عاما يعم الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت ، كقوله تعالى : ( كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) الرحمن ، آية : 26 ، 27 . فهو تعالى وحده الحي الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون ، وكذلك الملائكة وحملة العرش ، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء ، فيكون آخرا كما كان أولا . وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس ، فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت ، فإذا انقضت المدة وفَرَغَت النطفة التي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية ، أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها ، كثيرها وقليلها ، كبيرها وصغيرها ، فلا يظلم أحداً مثقال ذرة ؛ ولهذا قال تعالى : ( وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ) . عن علي رضي الله عنه قال : لما توفي النبي   وجاءت التعزية ، جاءهم آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ) . إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل فائت ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حُرم الثواب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . قال جعفر بن محمد : فأخبرني أبي أن علي بن أبي طالب قال : أتدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام  . من قضاء الله تعالى أن لكل نفس أجل ، فإذا جاء أجلها ماتت النفس .
قال تعالى : ( لنبلونكم في أموالكم وأنفسكم ) آية : 186 ، أي : لا يدَّ أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله ، ويبتلى المؤمن على قدر دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء   ". فالبلاء في النفس يكون بالمرض ، أو بموت أو مرض من يعول أو قريب وحميم .
ورد ت كلمة النفس في سورة النساء :
قال تعالى:( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة  ). يقول تعالى آمرا خلقه بتقواه ، وهي عبادته وحده لا شريك له ، ومنبها لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة ، وهي آدم عليه السلام ( وخلق منها زوجها ) ومن نفس الطينة خلق الله تعالى زوجها ، وهي حواء عليها السلام ، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده . ( من نفس واحدة ) أي : من نفس الجنس .
قال تعالى : ( فإن طبن لكم عن شيء نَفْسَا فكلوه هنيئا مريئا ) النساء : 4 . يقول ابن زيد   : لا تنكح المرأة إلا بشيء واجب لها ، وليس لأحد بعد النبي   أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب ، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبا بغير حق . ومضمون الكلام : أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتما ، وإن يكون طيب النفس بذلك ، كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة ـ في كلام العرب الواجب ـ طيبا ، كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك ، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالا طيبا ، ( فإن طبن لكم عن شيء نفسا ) أي : لا يحق للزوج ولا للأب أن يأخذ من مال المرأة إلا برضاها وعن طيب خاطر ، والرضا لا يكون إلاّ بالنفس .
قال تعالى : ( يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) آية : 29 . ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل ، أي : بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية ، كالربا والقمار ، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل ، وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا ، حتى قال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ـ في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول : إن رضيته أخذته وإلا رددته ورددت معه درهما ـ هو الذي قال تعالى فيه : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) ، ( ولا تقتلوا أنفسكم ) أي : بارتكاب محارم الله وتعاطي معاصيه ، وأكل أموالكم بينكم بالباطل ، فبارتكاب المعاصي وأكل الأموال بالباطل كأنه قتل الإنسان نفسه . فيكون ذلك بإفساد الجسد بارتكاب المعاصي والمنكرات لأن النفس سارت وراء الأهواء، فيكون ذلك كأنه قتل للنفس .
قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا ) آية 49 . قال الحسن وقتادة  : نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى ، حين قالوا : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) المائدة ، آية : 18 . وفي قولهم : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) البقرة ، آية : 111 . عن ابن عباس في قوله ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) وذلك اليهود قالوا : إن أبنائنا تُوفّوا وهم لنا قربة وسيشفعون ويزكوننا ، وكان اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ، ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب ، والتزكية لا تكون إلا للنفس لأنها تحب المدح والتفاخر ، والمزكي هو الله تعالى ، وليست أنتم أيها البشر.
قال تعالى : ( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) آية : 63 . هذا الضرب من الناس هم المنافقون ، والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك ، فإنه لا تخفى عليه خافية.فاكتف به يا محمد فيهم ، فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم ؛ ولهذا قال : ( فأعرض عنهم ) أي : لا تعنفهم على ما في قلوبهم ( وعظهم ) أي : وانههم على ما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر ( وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) أي: وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم .
قال تعالى:( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) آية 64 . يقول تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع ) أي : فُرضت طاعته على من أرسله إليهم . وقوله : ( بإذن الله ) قال مجاهد : أي لا يطيعهم إلا من وفقته لذلك ، كقوله ( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ) آل عمران ، آية 152 . أي : عن أمره ومشيئته ، وتسليطه إياكم عليهم ، وقوله : ( ولو أنهم ظلموا أنفسهم ) يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول    فيستغفروا الله عنده ، ويسألوه أن يستغفر لهم ، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم  .
قال تعالى : ( ثمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) آية : 65 . أي : إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به ، وينقادون له في الظاهر والباطن ، فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة ، كما ورد في الحديث " والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " . (أنفسهم ).أي : داخلهم .
قال تعالى : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ) آية : 66 . يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه ؛ لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر ، وهذا من علمه ـ تبارك وتعالى ـ بما لم يكن أو كان فكيف كان يكون ؛ ولهذا قال تعالى : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ) الآية .
قال تعالى : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا ) آية : 79 . قال تعالى مخاطبا لرسوله   ، والمراد جنس الإنسان ليحصل الجواب : (ما أصابك من حسنة فمن الله ) أي : من فضل الله ومنّة ولطفه ورحمته (وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) أي : فمن قِبَلك ، ومن عملك أنت كما قال تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ) الشورى : 30 . قال السدي ، والحسن البصري ، وابن جُريح ، وابن زيد : ( فمن نفسك ) أي : بذنبك . وقال قتادة في الآية : ( فمن نفسك ) : عقوبة لك يا ابن آدم بذنبك  .
قال تعالى : ( فقاتل في سبيل الله لا تُكَلَّفُ إلا نفسك وحرض المؤمنين ) آية : 84 . يأمر الله  عبده ورسوله محمد   بأن يباشر القتال بنفسه ، ومن نكل عنه فلا عليه منه ؛ ولهذا قال : ( لا تكلف إلا نفسك ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمر بن زُنَيْج ، حدثنا حكَّام ، حدثنا الجراح الكندي ، عن أبي إسحاق قال : سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى المائة من العدو فيقاتل ، فيكون ممن قال الله فيه : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) البقرة ، آية : 195 . قال : قد قال الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم : ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين )  .
قال تعالى : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما  ) آية : 95 . قال البخاري : حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن ابن إسحاق ، عن البراء ، قال : لما نزلت : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيدا ، فكتبها ، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته  ، فأنزل الله : ( غير أُلي الضرر ) الجهاد يكون بالمال وبالنفس لأن النفس هي التي تزهق .
قال تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) آية : 97 . قال البخاري : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حيوة وغيره قالا : حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود قال : قطع على أهل المدينة بَعْثٌ ، فاكتتب فيه ، فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته ، فنهاني عن ذلك أشد النهي ، قال : أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين ؛ يكثرون سوادهم على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، يأتي السهم فَيُرمى به فيصيب أحدهم فيقتله ، أو يضرب عنقه فيقتل ، فأنزل الله : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) . رواه الليث عن أبي الأسود . قال ابن أبي حاتم :  حدثنا أحمد بن أبي منصور الرّمادي ، حدثنا أبو أحمد ـ يعني الزبيري ـ حدثنا محمد بن شريك المكي ، حدثنا عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان قوم من أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم ، فأصيب بعضهم بفعل بعض ، قال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا ، فاستغفروا لهم ، فنزلت : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) قال عكرمة : فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية : لا عذر لهم . قال : فخرجوا ، فلحقهم المشركون فأعطوهم التقية ، فنزلت الآية : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله ) البقرة ، آية : 8 . قال عكرمة : نزلت هذه الآية في شباب من قريش ، كانوا تكلموا بالإسلام بمكة ، منهم علي بن أمية بن خلف ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العاص بن منبه بن الحجاج ، والحارث بن زمعة . قال الضحاك : نزلت في ناس من المنافقين ، تخلفوا عن رسول الله بمكة ، وخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فأصيبوا فيمن أصيبوا ، فنزلت هذه الآية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة ، وليس متمكنا من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع وبنص هذه الآية  ، أي بترك الهجرة أو عدم الهجرة وهم قادرون عليها .  أي : الإنسان يظلم نفسه .
قال تعالى : ( لا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) آية : 107 . قد روى ابن مردويه ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس : أن نفرا من الأنصار غزو مع رسول الله   في بعض غزواته ، فسرقت درع لأحدهم ، فأظن بها رجل من الأنصار ، فأتى صاحب الدرع رسول الله   فقال : إن طعمة بن أُبيرق سرق درعي ، فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء ، وقال لنفر من عشيرته : إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان ، وستوجد عنده . فانطلقوا إلى نبي الله   ليلا ، فقالوا : يا نبي الله إنَّ صاحبنا بريء ، وإن صاحب الدرع فلان ، وقد أحطنا بذلك علما ، فأعذر صاحبنا على رؤوس الناس ، وجادل عنه ، فإنه لم يعصمه الله بك هلك ، فقام رسول الله   فبرأه وعذره على رؤوس الناس ، فأنزل الله تعالى : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما * واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما * ولا تجادل عن الذين يختانون ) الآية . ثم قال للذين أتوا الرسول   مُسْتَخْفين بالكذب : ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله ) الآيتين ، يعني : الذين أتوا رسول الله   مستخفين يجادلون عن الخائنين ، ثم قال جل جلاله : ( ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ) ، يعني : الذين أتوا رسول الله   مستخفين بالكذب ، ثم قال ( من يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ) يعني : السارق والذين جادلوا عن السارق  واتهموا إنسانا بريئا. الإنسان يظلم نفسه .
قال تعالى : ( من يفعل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) آية : 110. يخبر تعالى عن كرمه وجوده : أن كل من تاب إليه تاب عليه من أي ذنب كان ، فقال تعالى : (من يفعل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) . قال علي بن طلحة عن ابن عباس ، أنه قال في هذه الآية : أخبر الله عباده بعفوه وحلمه وكرمه وسعة رحمته ، ومغفرته ، فمن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا ( ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال  . عمل السوء يكون ظلما للنفس إلا إذا استغفر الله سبحانه وتعالى .
قال تعالى : ( ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ) آية : 111 . كقوله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) فاطر : 18 . يعني أنه لا يغني أحد عن أحد ، وإنما على كل نفس ما عملت ، لا يحمل عنها غيرها ؛ ولهذا قال تعالى : ( وكان الله عليما حكيما ) أي : من علمه وحكمته ، وعدله ورحمته كان ذلك  .
قال تعالى : ( لهمت طائفة منهم أن يُضِلُّوكَ وما يُضِلُّونَ إلا أنفسهم وما يَضُرُّونَكَ من شيء ) آية : 113 . نزلت في قصة بني أُبيرق ، يعني بذلك لما أثنوا على بني أبيرق ولاموا قتادة بن النُّعمان في كونه اتهمهم ، وهم صلحاء برآء ، ولم يكن الأمر كما أنهوه إلى رسول الله   ؛ ولهذا أنزل الله فصل القضية وجلاءها لرسول الله   . ثم امتن عليه بتأييده إياه في جميع الأحوال ، وعصمته له ، وما أنزل عليه من الكتاب ، وهو القرآن ، والحكمة ، وهي السُّنة ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) أي : قبل نزول ذلك عليك ، كقوله : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ) الشورى ، آية : 52 ، 53 . وقال تعالى : ( وما كنت ترجوا أن يُلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك ) القصص ، آية : 86 ؛ ولهذا قال : ( وكان فضل الله عليك عظيما )  . الضلال والهداية من الله تعالى وتقع عادة على النفس . فألهمها فجورها وتقواها .
قال تعالى : ( وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وان تحسنوا وتتقوا فان الله كان بما تعملون خبيرا ) آية : 128 . يقول تعالى مخبرا ومشرعا عن حال الزوجين : تارة في حال نفور الرجل عن المرأة ، وتارة في حال اتفاقه معها ، وتارة في حال فراقه لها . فالحالة الأولى : ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها ، أو يعرض عنها ، فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه ، من نفقة ، أو كسوة ، أو مبيت ، أو غير ذلك من حقها عليه ، وله أن يقبل ذلك منها فلا حرج عليها في بذلها ذلك له ، ولا عليه في قبوله منها ؛ ولهذا قال تعالى : (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ) ثم قال : ( والصلح خير ) أي : من الفراق . وقوله : ( وأُحضرت الأنفس الشُّحَّ ) أي الصلح عند المُشَاحَّة خير من الفراق ؛ ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة عزم رسول الله   على فراقها ، فصالحته على أن يمسكها ، وتترك يومها لعائشة ، فَقَبِل ذلك منها وأبقاها على ذلك  .
قال تعالى : ( يأيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ) آية : 135 . يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط ، أي : بالعدل ، فلا يعدلوا عنه يمينا ولا شمالا ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، ولا يصرفهم عنه صارف ، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه . وقوله : ( شهداء لله ) كما قال : ( وأقيموا الشهادة لله ) أي : ليكن أداؤها ابتغاء وجه الله ، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقا ، خالية من التحريف والتبديل والكتمان ؛ ولهذا قال : ( ولو على أنفسكم ) أي : اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك ، وإذا سُئِلت عن الأمر فقل الحق فيه ، ولو عادت مضرته عليك ، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجا ومخرجا من كل أمر يضيق عليه . وقوله : ( أو الوالدين والأقربين ) أي : وإن كانت الشهادة على واليك وقرابتك ، فلا تُراعهم فيها ، بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم ، فإن الحق حاكم على كل أحد وهو مقدم على كلِّ أحد  . ( على أنفسكم ) أي : اشهد الحق ولو عاد ضرر الشهادة على ذاتكم .
ورود كلمة النفس في سورة المائدة :
قال تعالى : ( قال ربِّ لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الكافرين ) آية : 25 . لما نكل بنو إسرائيل عن القتال أو الجهاد غضب سيدنا موسى عليه السلام ، وقال داعيا عليهم : ( ربِّ إني لا أملك إلا نفسي وأخي ) أي : ليس أحد يطيعني منهم فيمتثل أمر الله ، ويجيب إلى ما دعوت إليه إلا أنا وأخي هارون ، ( فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) يعني : اقضِ بيني وبينهم ، وافتح بيننا وبينهم . فكلمة " افرق " : افصل بيننا وبينهم ، كما قال الشاعر :
يا ربِّ فافرق بينه وبيني        أشدَّ ما فرقت بين اثنين
فعندما نكلوا عن الجهاد دعا عليهم سيدنا موسى عليه السلام ، فحكم الله عليهم بتحريم دخول الأرض المقدسة عليهم مدة أربعين سنة ، من تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم ، ومن إخراج الماء الجاري من صخرة صماء تحمل معهم على دابة ، فإذا ضربها موسى بعصاه انفجرت من ذلك الحجر اثنا عشرة عينا تجري لكل شعب عين ، وغير ذلك من المعجزات التي أيد الله بها موسى بن عمران  .
قال تعالى : ( فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين ) آية : 30 . أي : فحسنت وسولت له نفسه ، وشجعته على قتل أخيه فقتله .قال السدي ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، وعن ابن عباس ، وعن مرة ، وعن عبد الله ، وعن ناس من أصحاب رسول الله   : ( فطوعت له نفسه قتل أخيه ) فطلبه ليقتله ، فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال ، فأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له ، وهو نائم فرفع صخرة ، فشدخ بها رأسه فمات فتركه بالعراء  .
قال تعالى : (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )، آية :32 . يقول تعالى : ( من أجل ) قتل ابن آدم ظلما وعدوانا : ( كتبنا على بني إسرائيل ) أي : شرعنا لهم وأعلمناهم ( أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) أي : من قتل نفسا بغير سبب من قصاص ، أو فساد في الأرض ، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية ، فكأنما قتل الناس جميعا ؛ لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس ، ( ومن أحياها ) أي : حرم قتلها واعتقد ذلك ، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار ؛ ولهذا قال ( فكأنما أحيا الناس جميعا  .
قال تعالى : (وكتبنا عليهم فيها أنَّ النفسَ بالنفس والعينَ بالعين والأنف بالأنف والأُذُنَ بالأُذُن والسنَّ بالسنِّ والجروح قصاص ) آية :45 . وهذا أيضا مما وبخت به اليهود وقرِّعوا عليه ، فإن عندهم في نص التوراة : أن النفس بالنفس ، وهم يخالفون حكم ذلك عمدا وعنادا ، ويقيدون النضري ـ من يهود النضر ـ  من القرظي ـ بنو قريظة ـ ، ولا يقيدون القرظي من النضري ، بل يعدلون إلى الدية ، كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن ، وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار ؛ ولهذا قال هناك : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) لأنهم جحدوا حكم الله قصدا منهم وعنادا وعمدا ، وقال ههنا : ( فأولئك هم الظالمون ) لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه ، فخالفوا وظلموا ، وتعدى بعضهم على بعض . قتل نفس واحدة يقابلها قتل نفس واحدة  .
قال تعالى : (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمْرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسروا ما في أنفسكم نادمين ) آية :52 . وقوله تعالى : ( فترى الذين في قلوبهم مرض ) أي : شك ، وريب ، ونفاق ( يسارعون فيهم ) أي : يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر ، ( يقولون نخشى أن تُصيبنا دائرة ) أي : يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالمسلمين ، فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى ، فينفعهم ذلك . عند ذلك قال الله تعالى : ( فعسى الله أن يأتي بالفتح ) قال السُّدِّي : يعني فتح مكة . وقال غيره : يعني القضاء والفصل ( أو أمر من عنده ) قال السُّدِّي : يعني ضرب الجزية على اليهود والنصارى ( فيصبحوا ) يعني : الذين والوا اليهود والنصارى من المنافقين ( على ما أسروا في أنفسهم ) من الموالاة ( نادمين ) أي : على ما كان منهم ، مما لم يُجْد عنهم شيئا ، ولا دفع عنهم محذورا ، بل كان عين المفسدة ، فإنهم فضحوا ، وأظهر الله أمرهم في الدنيا لعباده المؤمنين ، بعد أن كانوا مستورين لا يُدرى كيف حالهم . فلما انعقدت الأسباب الفاضحة لهم ، تبين أمرهم لعباد الله المؤمنين ، فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنهم مؤمنين ، ويحلفون على ذلك ويتأولون ، فبان كذبهم وافتراؤهم  . ( أسروا ما في أنفسهم ) أي : ما كتموه داخلهم أو ما أخفوه .
قال تعالى : ( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ) آية : 70 . يذكر تعالى أنه أخذ العهود والمواثيق على بني إسرائيل على السمع والطاعة لله ولرسله ، فنقضوا تلك العهود والمواثيق ، واتبعوا آراءهم وأهواءهم وقدموها على الشرائع ، فما وافقهم منها قبلوه وما خالفهم ردوه ، وحسبوا أن لا يترتب لهم شر على ما صنعوه، فترتب، وهو أنهم عموا عن الحق وصموا ، فلا يسمعون حقا ولا يهتدون إليه .
قال تعالى : ( ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ) آية : 80 . قال مجاهد يعني بذلك المنافقين . وقوله ( لبئس ما قدَّمت لهم أنفسهم ) يعني بذلك : موالاتهم للكافرين ، وتركهم موالاة المؤمنين ، التي أعقبتهم نفاقا في قلوبهم ، وأسخطت الله عليهم سخطا مستمرا إلى يوم معادهم ؛ ولهذا قال ( أن سخط الله عليهم ) وفسر بذلك ما ذمهم به  .
قال تعالى : (يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلَّ إذا اهتديتم ) آية : 105 . وقوله تعالى : (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) المائدة ، آية:116 ؛ أي تعلم ما أضمر ولا أعلم ما في نفسك أي لا أعلم حقيقتك ولا ما عندك علمه ، فالتأويل تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم . وقال ابن الأنبا ري : إنّ النفس هنا الغيب ، أي تعلم غيبي لأن النفس لما كانت غائبة أوقعت على الغيب ، ويشهد بصحة قوله في آخر الآية قوله : (إنك أنت علاّم الغيوب ) المائدة ، آية :116 ، كأنه قال : تعلم غيبي يا علاّم الغيوب . وأما التي بمعنى :"عند" فشاهده قوله تعالى حكاية عن عيسى ، على نبينا محمد وعليه الصلاة والسلام : ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) المائدة ، آية :116 ؛ أي تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك .
وردت كلمة نفس في سورة الأنعام :
قال تعالى : ( قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ) 12 . يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض ومن فيهن ، وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة ، كما ثبت في الصحيحين ، عن طريق الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ، قال : قال النبي   : " إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق العرش ، إن رحمتي تَغْلِبُ غضبي  ، ( كتب على نفسه ) أي : الذات الإلهية . أو إيّاه . ( خسروا أنفسهم ) أي : ذاتهم .
قال تعالى : (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ) 20 .  قال تعالى مخبرا عن أهل الكتاب أنهم يعرفون هذا الذي جئتهم به كما يعرفون أبناءهم ، بما عندهم من الأخبار والأنباء عن المرسلين المتقدمين والأنبياء ، فإن الرسل كلهم بَشَّروا بوجود محمد   ونعته وصفته وبلده ومُهَاجَرِه ، وصفة أمته ؛ ولهذا قال بعده : ( الذين خسروا أنفسهم ) أي : خسروا كل الخسارة ، ( فهم لا يؤمنون ) بهذا الأمر الجلي الظاهر الذي بشرت به الأنبياء ، ونوهت به في قديم الزمان وحديثه  . خسارة النفس تكون بعدم إيمانها بالله العلي القدير وعدم تصديق الرسل الذين بعثهم الله تعالى لهداية البشر .
قال تعالى : (انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون )24. هنا يبين الله تعالى حال المشركين يوم القيامة ، عندما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا من أهل الصلاة ، فقالوا : تعالوا فلنجحد ، فيجحدون ، فيختم الله على أفواههم ، وتشهد أيديهم وأرجلهم ولا يكتمون الله حديثا ، فهل في قلبك الآن من شيء ؟ إنه ليس من القرآن إلا ونزل فيه شيء ، ولكن لا تعلمون وجهه . فالإنسان ممكن أن يكذب على نفسه ويصدق كذبته ، وهذه من المصائب التي تحلّ بالإنسان .
قال تعالى : ( وهم ينهون عنه وَيَنْئَوْنَ عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ) آية : 26 . في معنى ( ينهون عنه ) قولان :
أحدهما : أن المراد أنهم ينهون الناس عن اتباع الحق ، وتصديق الرسول ، والانقياد للقرآن ، ( وينئون عنه ) أي : ويبتعدون هم عنه ، فيجمعون بين الفعلين القبيحين لا ينتفعون ولا يدعون أحدا ينتفع . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وهم ينهون عنه ) يردّون الناس عن محمد   أن يؤمنوا به . وقال محمد بن الحنفية : كان كفار قريش لا يأتون النبي   ، وينهون عنه .
والقول الثاني : رواه سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عمن سمع ابن عباس يقول في قوله :( وهم ينهون عنه ) قال : نزلت في أبي طالب ، كان ينهى الناس عن النبي   أن يؤذى . ( وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ) أي : وما يهلكون بهذا الصنيع ، ولا يعود وباله إلا عليهم ، وهم لا يشعرون  .
قال تعالى : (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا كتب ربكم على نفسه الرحمة ) 54 . أي : أن الله تعالى أكرمهم برد السلام عليهم ، وبشّرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم ؛ ولهذا قال : ( كتب ربكم على نفسه الرَّحمة ) أي : أوجبها على نفسه الكريمة ، تفضلا منه وإحسانا وامتنانا  .( نفسه ) الذات الإلهية . أو إيّاه .
قال تعالى :(أن تبسل نفس بما كسبت ) 70 .أي : لئلا تبسل .قال الضحاك عن ابن عباس : تُسْلَم . وقال الوالبي : تُفْضَح ، وقال قتادة : تُحْبَس ، وقال ابن زيد : تُؤاخذ ، وقال الكلبي : تُجْزَى . وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى ، وحاصلها للهلكة والحبس عن الخير والارتهان عن درك المطلوب  .
قال تعالى : (أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق )93 . يقول تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) أي : لا أحد أظلم ممن كذب على الله ، فجعل له شريكا أو ولدا ، أو ادعى أن الله أرسله إلى الناس ؛ ولهذا قال : ( أو قال أُوحى إليَّ ولم يوح إليه شيء ). قال عكرمة وقتادة : نزلت في مسيلمة الكذاب . ( ومن قال سأُنزل مثل ما أنزل الله ) أي : ومن ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي مما يفتريه من القول . وقال تعالى : ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ) أي : في سكراته وغمراته وكُرباته ، ( والملائكة باسطوا أيديهم ) أي : بالضرب أو العذاب حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم : ولهذا يقولون لهم : ( أخرجوا أنفسكم ، وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال ، والأغلال والسلاسل ، والجحيم والحميم ، وغضب الرحمن الرحيم ، فتتفرق روحه في جسده ، وتعصي وتأبى الخروج ، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم : (أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق ) ، أي : اليوم تهانون غاية الإهانة ، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله  . والنفس هنا هي الروح .
قال تعالى : (أنشأكم من نفس واحدة ) 98 . يعني : آدم عليه السلام . أو من طينة واحدة . والله أعلم بمراده .
قال تعالى : (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ ) 104 . البصائر : هي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن ، وما جاء به رسول الله   ( فمن أبصر فلنفسه ) كقوله : ( فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ) الإسراء ، آية : 15 ؛ ولهذا قال : ( ومن عمي فعليها ) لما ذكر البصائر قال : ( ومن عمي فعليها ) أي : إنما يعود وباله عليه ، ( وما أنا عليكم بحفيظ ) أي : بحافظ ولا رقيب ، بل إنما أنا مبلغ ، والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء  . فالذي عرف الحق وأتمر به يثاب عليه ، والهداية لا تكون إلا من الله تعالى .
قال تعالى : ( وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون ) 123. يقول تعالى بمعناه : وكما جعلنا في قريتك يا محمد أكابر من المجرمين ودعاة إلى الكفر والصد عن سبيل الله ، وإلى مخالفتك وعداوتك ، كذلك كانت الرسل من قبلك يُبْتَلُون بذلك ، ثم تكون لهم العاقبة   ، كما قال تعالى : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهم القول فدمرناها تدميرا ) الإسراء ، آية : 16 . ، قيل معناه : أمرناهم بالطاعة ، فخافوا ، فدمرناهم ، وقيل : أمرناهم أمرا قدريا ، كما قال ههنا : ( ليمكروا فيها ) . وقوله تعالى : ( أكبر مجرميها ليمكروا فيها ) قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال : سلطنا شرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب .
قال تعالى : ( قالوا شهدنا على أنفسنا ، وشهدوا على أنفسهم )130 . هنا تقريع من الله تعالى لكافري الجن والإنس يوم القيامة ، حيث يسألهم ـ وهو أعلم ـ : هل بَلَّغَتْهم الرسل رسالاته ؟ وهذا استفهام تقرير: ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رُسُلٌ منكم ) أي : من جملتكم . والرسل من الإنس فقط وليس من الجن رسل بل نُذُر . ( قالوا شهدنا على أنفسنا ) أي : أقررنا أن الرسل قد بَلَّغونا رسالاتك ، وأنذرونا لقاءك ، وأن هذا اليوم كائن لا محالة . وقال : ( وغرتهم الحياة الدنيا ) أي وقد فرطوا في حياتهم الدنيا ، وهلكوا بتكذيبهم الرسل ، ومخالفتهم للمعجزات ، لما اغتروا به من زخرف الحياة الدنيا وزينتها وشهواتها ، ( وشهدوا على أنفسهم ) أي : يوم القيامة ( أنهم كانوا كافرين ) أي : في الدنيا ، بما جاءتهم الرسل  صلوات الله عليهم أجمعين . الجن والإنسان يشهد على نفسه يوم القيامة ، فالأرجل تشهد والأيدي ، والعينين ، والأذنين واللسان ...
قال تعالى : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) 151 . هذا مما نص تبارك وتعالى على النهي عنه تأكيدا ، وإلا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فقد جاء في الصحيحين ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله   : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " . وفي لفظ لمسلم : "  والذي لا إله غيره ، لا يحل دم رجل مسلم ...." وأيضا جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهَد ـ وهو المستأمن من أهل الحرب ـ فروى البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ، عن النبي   مرفوعا : " من قتل مُعَاهِدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد في مسيرة أربعين عاما "  . القتل يكون للنفس بإفساد الجسد حيث لا تستطيع الروح المكوث فيه ، فبمجرد خروج الروح تموت النفس .
قال تعالى : ( لا نُكَلِّفُ نفسا إلا وسعها ) 152 . أي : من اجتهد في أداء الحق وأخذه ، فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه .
قال تعالى : ( لا ينفع نفسا إيمانها ) 158 . يقول تعالى متوعدا للكافرين به ، والمخالفين لرسله والمكذبين بآياته ، والصَّادين عن سبيله : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك ) ، وذلك كائن يوم القيامة . ( أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها )، وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشرا طها حين يرون شيئا من أشراط الساعة ، كما قال البخاري في تفسير هذه الآية : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا عمارة ، حدثنا أبو زُرْعَة ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله   : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مَغْرِبها ، فإذا رآها الناس آمن من عليها ، فلذلك حين ( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل )  " .
قال تعالى : ( قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) آية : 164 . قال تعالى (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ) : إخبار عن الواقع يوم القيامة في جزاء الله تعالى وحكمه وعدله ، أن النفوس تجازى بأعمالها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، وأنه لا يحمل من خطيئة أحد على أحد . وهذا من عدله تعالى .
وردت كلمة نفس في سورة الأعراف :
قال تعالى : ( ومن خفَّت موازينه فأُولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يَظْلِمُون ) 9. يقول تعالى : ( والوزن ) أي : للأعمال يوم القيامة ( الحق ) أي : لا يظلم تعالى أحدا كقوله : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) الأنبياء ، آية : 47 . وقال تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) النساء ، آية : 40 ، وقال تعالى ( فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية * وما أدراك ما هيه * نار حامية ) القارعة ، آية : 6 ـ 11 ، وقال تعالى : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) المؤمنون ، آية : 101 ـ 103  . الأعمال تقلب يوم القيامة أجساما توزن وتشهد على صاحبها ، والقرآن يشهد لمن داوم عليه . الخسارة تقع على النفس لأنها هي المكلفة .. والنفس هنا : الذات .
قال تعالى : (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين ) 23 ، أي : سيدنا آدم وأمنا حواء عندما أكلا من الشجرة المنهي عنها ، فعدم الامتثال لأوامر الله يكون ظلما للنفس ، واستغفرا ربهما وطلبا منه المغفرة والرحمة ، فتاب الله عليهما . الإنسان هو المسئول عن النفس فيظلمها بارتكاب ما حرم الله تعالى عليه .
قال تعالى : (قالوا ضلُّوا عنَّا وشَهِدوا على أنفسهم أنهم كافرين )  37 . يخبر تعالى أن الملائكة إذا توفت المشركين تفزعهم عند الموت وقبْض أرواحهم إلى النار والملائكة تقول لهم عند قبض أرواحهم : أين الذين كنتم تشركون بهم في الحياة الدنيا ، وتدعونهم وتعبدونهم من دون الله ؟ ادعوهم يخلصوكم مما أنتم فيه . قالوا : ( ضلُّوا عنا ) أي : ذهبوا عنا فلا نرجو نفعهم ، ولا خير فيهم ( وشهدوا على أنفسهم ) أي أقروا واعترفوا على أنفسهم ( أنهم كانوا كافرين )  .
قال تعالى : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا تكلف نفس إلا وسعها أُولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) 42، ذكر الله تعالى حال الأشقياء وما يلاقونه من عذاب نار جهنم ، عطف بذكر حال السعداء ، فقال : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي : آمنت قلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم ، ضد أولئك الذين كفروا واستكبروا عنها ، وينبه الله تعالى على أن الإيمان ، والعمل به سهل  ، لأنه قال : ( لا تكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ونزعنا ما في صدورهم من غل ) أي : من حسد وبغض ، كما جاء في صحيح البخاري ، من حديث قتادة ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله   : " إذا خلص المؤمنون من النار حُبِسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هُذبوا ونقوا ، أذن لهم دخول الجنة ، فوالذي نفسي بيده ، إن أحدهم بمنزله في الجنة أدلّ منه بمسكنه كان في  الدنيا" .  فإن الله تعالى لا يُحَمِّلُ النفس إلا ما تستطيع ، ويسقط عنها عدم الاستطاعة .
قال تعالى : ( قد خسروا أنفسهُم وضلَّ عنهم ما كانوا يَفْتَرُون ) 53 .أي : قد خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها ، ( وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون ) أي ذهب عنهم ما كانوا يعبدونهم من دون الله فلا يشفعون فيهم ، ولا ينصرونهم ، ولا ينقذونهم مما هم فيه  . أي : الذين تركوا العمل بما في القرآن الكريم وما جاء به الرسل ، وتناسوه في الحياة الدنيا ، وقاموا بالكذب والخداع والنميمة والغيبة والمراء والجدل وعدم الأمانة فيخسرون أنفسهم لأنهم أوصلوا النفس للهلاك .
قال تعالى : (وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) 160 ، إن الله تعالى جعل بني إسرائيل اثنتي عشرة سبطا ، أي قبيلة ، وقدم لهم النعم الكثيرة وهم في صحراء سيناء ، حيث ظلل عليهم الغمام ، وأخرج لهم عيون الماء ولكل سبط عينا يشربون منه ، وأرسل إليهم المن والسلوى طعاما لهم ، ولكنهم كفروا بأنعم الله واستبدلوا من الطعام بما هو خير إلى ما هو أدنى  ، فبذلك الأعمال قد ظلموا أنفسهم .
قال تعالى : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهرهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) آية : 172 . يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم ، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم ، وأنه لا إله إلا هو . كما أنه تعالى فاطرهم على ذلك وجبلهم عليه .
قال تعالى : (ساء مثلاً القوم الذين كذَّبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون) 177 . قوله تعالى : (ساء مثلاً القوم الذين كذَّبوا بآياتنا ) ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا ، أي : ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة ، فمن خرج عن حيّز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه ، واتبع هواه ، صار شبيها بالكلب ، وبئس المثل مثله ، ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله   قال : " ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " . وقوله : ( وأنفسهم كانوا يظلمون ) أي : ما ظلمهم الله ، ولكن هم ظلموا أنفسهم ، بإعراضهم عن اتباع الهدى ، وطاعة المولى ، إلى الركون إلى دار البلى ، والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى  .
قال تعالى : (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضَرَّاً إلاَّ ما شاء الله ) 188 . أمر الله تعالى نبيه   أن يفوّض الأمور إليه ، وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل ، ولا إطِّلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه ، كما قال تعالى : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد ) الجن ، آية : 26 . وقوله : ( لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ) أي : من المال أو لعلمت إذا اشتريت شيئا ما أربح فيه ، فلا أبيع شيئا إلا ربحت فيه ولا يصيبني الفقر  ، والمتصرف بالنفس هو الله  سبحانه وتعالى .
قال تعالى : (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها  ) ، ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام ، وأنه خلق منه زوجته حواء أو من نفس طينته ، والله أعلم . ثم انتشر الناس منهما ، كما قال تعالى : ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات ، آية : 13 . وقال تعالى : ( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ) النساء ، آية : 1 . وقال في هذه الآية الكريمة : ( وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) أي : ليألفها ويسكن بها ، كقوله تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) الروم ، آية : 21 . فلا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين ؛ ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه  .  كما استعملت النفس في الإشارة إلى البشر, فالنفس الواحدة هي أصل البشرية جميعا " سيدنا آدم عليه السلام " , ومن النفس الواحدة خلق الله كافة الأنفس الإنسانية .
قال تعالى : (ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون ) 192 . هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره ، من الأنداد والأصنام والأوثان ، وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة ، لا تملك شيئا من الأمر ، لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تنصر لعابديها ، بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر ، وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم  . فالناصر هو الله سبحانه ، لا إله إلا الله ، والإنسان لا يستطيع أن يصنع النصر لنفسه إلا بتوفيق من الله تعالى وتأييده .
قال تعالى : (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ) 197 .  ( لا يستطيعون نصركم ) أي : الأصنام التي تعبدونها لا تنصر عابديها ( ولا أنفسهم ينصرون ) ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء ، كما كان الخليل ، عليه السلام ، يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة ، كما أخبر تعالى عنه في قوله : ( فراغ عليهم ضربا باليمين ) الصافات ، آية : 93 . وقال تعالى : ( فجعلناهم جذاذا إلا كبيرا لهم إليه يرجعون ) الأنبياء ، آية : 58 . وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما ـ وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله   المدينة ـ فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرونها ويتلفانها ويتخذانها حطبا للأرامل ، ليعتبر قومهما بذلك ، ويرتؤوا لأنفسهم ، فكان لعمرو بن الجموح ـ وكان سيدا في قومه ـ صنم يعبده ويطيبه ، فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ، ويلطخانه بالعَذِرة ، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به ، فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفا ، ويقول له : انتصر . ثم يعودان لمثل ذلك ، ويعود لصنيعه أيضا ، حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت ، ودلَّياه في حبل في بئر هناك ، فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك ، نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل  .
قال تعالى : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ) آية : 205 . يأمر تعالى بذكره أول النهار وآخره كثيرا ، كما أمر بعبادته في هذين الوقتين في قوله تعالى : ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) ق : 39 . وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء ، وهذه الآية مكية . وقال ( بالغدو) وهو أول النهار ، ( والآصال ) : جمع أصيل ، كما أن الأيمان جمع يمين . وأما قوله ( تضرعا وخيفة ) أي : اذكر ربك في نفسك رغبة ورهبة ، وبالقول لا جهرا ؛ ولهذا قال : (ودون الجهر من القول ) وهكذا يستحب الذكر لا يكون نداء وجهرا بليغا  .
وردت كلمة نفس في سورة الأنفال :
قال تعالى : ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) 53 . يخبر تعالى من تمام عدله ، وقسطه في حكمه ؛ بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه ، كقوله تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ) الرعد ، آية : 11 . وذلك ( كدأب آل فرعون ) كصنعة آل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته ، أهلكهم بسبب ذنوبهم ، وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم ، من جنات وعيون ، وزروع وكنوز ومقام كريم ، ونعمة كانوا فيها فاكهين ، وما ظلمهم الله في ذلك ، بل كانوا هم الظالمين  .النفس لها القدرة على التغيير إلى الأفضل وإلى الأسوأ .
قال تعالى: ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض 72) . ذكر تعالى أصناف المؤمنين ، وقسمهم إلى مهاجرين ، خرجوا من ديارهم وأموالهم ، وجاءوا لنصر الله ورسوله ، وإقامة دينه ، وبذلوا أموالهم وأنفسهم في ذلك . وإلى أنصار ، وهم المسلمون من أهل المدينة إذ ذاك ، آووا إخوانهم المهاجرين في منازلهم ، وواسوهم في أموالهم ، ونصروا الله ورسوله بالقتال معهم ، فهؤلاء ( بعضهم أولياء بعض ) أي : كم منهم أحق بالآخر من كل أحد ؛ ولهذا آخى رسول الله   بين المهاجرين والأنصار ، كل اثنين أخَوَان ، فكانوا يتوارثون بذلك إرثا مقدما على القرابة ، حتى نسخ الله تعالى ذلك بالمواريث  . من أنواع الجهاد: الجهاد بالمال؛ أي: دفع المال في تجهيز الجيش من سلاح ومئونة . والجهاد بالذات ؛ تقديم نفسه رخيصة في سبيل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى .
وردت كلمة نفس في سورة التوبة :
قال تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ) 17. يقول تعالى : ما ينبغي للمشركين بالله أن يعمروا مساجد الله التي بنيت على اسمه وحده لا شريك له ، ومن قرأ : ( مسجد الله ) فالمراد به المسجد الحرام ، أشرف المساجد على وجه الأرض ، الذي بني من أول يوم على عبادة الله وحده لا شريك له ، وأسسه خليل الرحمن ، هذا وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر ، أي : بحالهم وبقالهم ، كما قال السُّدي : لو سألت النصراني : ما دينك ؟ لقال نصراني . ولو سألت اليهودي : ما دينك ؟ لقال يهودي . والصابئ ، لقال صابئ ، والمشرك لقال : مشرك .( أولئك حبطت أعمالهم ) أي : بشركهم  . الإنسان المشرك بالله يشهد على ذاته بالكفر .
قال تعالى : (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون ) 20 . إن المشركين قالوا : عمارة بيت الله ، وقيام على السقاية ، خير ممن آمن وجاهد ، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره ، فذكر الله استكبارهم وإعراضهم ، فقال لآهل الحرم من المشركين : ( قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون ) المؤمنون ، آية : 66 ، 67 . يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال : ( به سامرا ) كانوا يسمرون به ، ويهجرون القرآن والنبي   ، فخير الله الإيمان والجهاد مع نبي الله   ، على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ، ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به ، وإن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه به  . عن ابن عباس ، في تفسير هذه الآية ، قال : نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أُسر يوم بدر ، قال : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي الحاج ونفك العاني . وكان ذلك كله في الشرك  ولا يتقبل الله تعالى ما كان في الشرك . من أنواع الجهاد يكون بالأموال والذات الإنسانية .
قال تعالى : ( يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباهُهُم وجنوبُهُم وظهورُهُم هذا ما كنزتم لأنفسِكُمْ فذُوقُوا ما كُنْتُم تَكْنِزُون ) 35 ، أي : يقال لهم هذا الكلام تبكيتا وتقريعا وتهكما ، كما في قوله : ( ثُمَّ صُبُّوا فوْق رَأسه من عذاب الحميم * ذُق إنك أنت العزيز الكريم ) الدخان : 48 ، 49 . أي : هذا بذاك ، وهذا الذي كنتم تكنزون لأنفسكم ؛ ولهذا يقال : من أحب شيئا وقدمه على طاعة الله ، عُذّب به . وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم ، عذبوا بها ، كما كان أبو لهب ، لعنه الله ، جاهدا في عداوة رسول الله   وامرأته تعينه في ذلك ، كانت يوم القيامة عونا على عذابه أيضا ( في جيدها ) في عنقها ( حبل من مسد ) سورة المسد : آية : 5 ، أي : تجمع من الحطب في النار وتلقي عليه ؛ ليكون ذلك أبلغ في عذابه ممن هو أشفق عليه كان في الدنيا ، كما كانت هذه الأموال لما كانت أعز الأشياء على أربابها ، كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة ، فيحمى عليها في نار جهنم ـ ناهيك بحرها ـ فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم  . الجبهة مكان تفكيرهم في كنز أموالهم دون أن يستثمروها فيكون في سبيل الله وحتى أنه يضع يده على جبهته أثناء تفكيره ، فيريد أن ينام فيتقلَّب على جنبيه لا يعرف النوم من كثرة التفكير ثم ينقلب على ظهره .
قال تعالى : ( إنَّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ) 36 . قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، أخبرنا أيوب ، أخبرنا محمد بن سيرين ، عن أبي بكرة ؛ أن النبي   خطب في حجة الوداع ، فقال : " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مُضَر الذي بين جمادي وشعبان " . ثم قال : " أي يوم هذا ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : " أليس يوم النحر ؟ " قلنا : بلى . ثم قال : " أي شهر هذا ؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس ذا الحجة ؟ " قلنا : بلى . ثم قال : " أي بلد هذا ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : " أليست البلدة ؟ " قلنا : بلى . قال : " فإن دماءكم وأموالكم ـ وأحسبه قال : وأعراضكم ـ عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا لا ترجعوا بعدي ضُلاّلا يضرب بعضكم رقاب بعض ، أن لا هل بلغت ؟ ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه " رواه البخاري في " التفسير  " وغيره ، لذلك الرسول   لم يحج بعد فتح مكة مباشرة ، لآن العرب قديما كانوا يغيرون في الأشهر الحرم بالتأخير والتقديم ، فالعرب كانت تتقلب في شهر محرم فتحله عاما وتحرمه عاما ، وهو ما يسمى بالنسيء ، بل بعث الرسول   أبا بكر يحج في الناس وعززه بسيدنا على ـ كرم الله وجهه ـ ليقرأ على الناس سورة براءة ، وعندما انضبطت الأشهر الحرم كهيئة يوم خلق السماوات والأرض حج الرسول   حجة الوداع . أما قول الله تعالى : ( فلا تظلموا فيهنَّ أنفسكم ) أي في هذه الأشهر المحرمة ؛ لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها ، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف ، لقوله تعالى : ( ومن يُرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) الحج : 25 ، وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام ؛ ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي ، وطائفة كثيرة من العلماء ، وكذا في حق من قتل في الشهر الحرام أو قتل ذا محرم ، فالآثام محرمة في كل الشهور لكنها تغلظ في الأشهر الحرم .
قال تعالى : ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) 41، أمر الله تعالى بالنفير العام مع رسول الله   ، عام غزوة تبوك ، لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب ، وحَتَّم على المؤمنين في الخروج معه على كل حال في المَنْشَط والمَكْرَه والعسر واليسر، وقال علي بن زيد ، عن أنس ، عن أبي طلحة : كهولا وشَبَابا ، ما أسمع الله عَذَرَ أحداً ، ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى قتل . وفي رواية : قرأ أبو طلحة سورة براءة ، فأتى على هذه الآية (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) فقال أرى ربنا استنفرنا شيوخا وشبابا ، جهزوني يا بنيَّ ، فقال بنوه : يرحمك الله ، قد غزوت مع رسول الله   حتى مات ، ومع أبي بكر حتى مات ومع عمر حتى مات ، فنحن نغزو عنك . فأبى ، فركب البحر فمات ، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيام ، فلم يتغير فدفنوه فيها  .
قال تعالى : ( لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطاعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ) 42 . يقول تعالى موّبخا للذين تخلفوا عن النبي   في غزوة تبوك ، وقعدوا بعدما استأذنوه في ذلك ، مظهرين أنهم ذوو أعذار ، ولم يكونوا كذلك ، فقال : ( لو كان عرضا قريبا ) قال ابن عباس : غنيمة قريبة ، ( وسفرا قاصدا ) أي : قريبا أيضا ، ( لاتبعوك ) أي : لكانوا جاؤوا معك كذلك ، ( ولكن بعدت عليهم الشقة ) أي : المسافة إلى الشام ، ( وسيحلفون بالله ) أي: لكم إذا رجعتم إليهم ( لو استطعنا لخرجنا معكم ) أي : لو لم يكن لنا أعذار لخرجنا معكم ، قال تعالى (  يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون )  .
قال تعالى :  (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الأَخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين ) 44 ، أخبر الله تعالى أنه لا يستأذنه في القعود عن الغزو أحد يؤمن بالله ورسوله ؛ لأنهم يريدون الجهاد بالمال والذات الإنسانية قربة لله تعالى ، ولما ندبهم بادروا وامتثلوا  .
قال تعالى :  ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) 55 ، كما قال تعالى : ( ولا تَمُدَّنَّ  عيْنيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ) طه : 131 ، وقال : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) المؤمنون : 55 ، 56 ، وقوله : (إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ) قال الحسن البصري : بزكاتها ، والنفقة منها في سبيل الله . وقال قتادة : هذا من المقدم والمؤخر ، تقديره : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة .واختار ابن جرير قول الحسن ، وهو القول القوي الحسن . وقوله : (وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) أي : ويريد أن يميتهم حين يميتهم على الكفر ، ليكون ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم ـ عياذا بالله من ذلك ـ وهذا يكون من باب الاستدراج لهم فيما هم فيه  . الموت يكون للنفس وذلك عند خروج الروح من الجسد .
قال تعالى : (فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) 70 ، يقول الله تعالى واعظا لهؤلاء المنافقين المكذبين للرسل ، ألم تخبروا خبر كم كان قبلكم من الأمم المكذبة للرسل ، قوم نوح من الذين كذبوه وما أصابهم من الغرق ، وعاد كيف أهلكوا بالريح العقيم ، لما كذبوا هودا عليه السلام ، وثمود كيف أخذتهم الصيحة ، لما كذبوا صالحا عليه السلام وعقروا الناقة ، وقوم سيدنا إبراهيم عليه السلام كيف نصره الله عليهم وأيده بالمعجزات الظاهرة عليهم ، وأهلك ملكهم نمروذ بن كنعان بن كوش الكنعاني ـ لعنه الله ـ ، وأصحاب مدين وهم قوم شعيب عليه السلام ، وكيف أصابتهم الرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة ، والمؤتفكات قوم لوط ، وقد كانوا يسكنون في مدائن ، وقيل أم قراهم ، وهي سدوم . والغرض أن الله تعالى أهلكهم عن آخرهم بتكذيبهم نبي الله لوطا عليه السلام ، وإتيانهم بالفاحشة التي لم يسبقهم أحد من العالمين . وهؤلاء الرسل جاءوا بالحجج والدلائل القاطعات ، (فما كان الله ليظلمهم ) أي : بإهلاكه إياهم ؛ لأنه أقام عليهم الحجة بإرسال الرسل وإزاحة العلل ، ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) أي : بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم الحق ، فصاروا إلى ما صاروا إليه من العذاب والدمار  .
قال تعالى : (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) 81 ، يقول تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله   في غزوة تبوك ، وفرحوا بقعودهم بعد خروجه ، (وكرهوا أن يجاهدوا ) معه (بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا ) أي : بعضهم لبعض ( لا تنفروا في الحر ) ؛ وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في شدة الحر ، عند طيب الظلال والثمار ، فلهذا قالوا : ( لا تنفروا في الحر ) ، قال الله تعالى لرسوله   : ( قل ) لهم ( نار جهنم ) التي تصيرون إليها بمخالفتكم ( أشد حرا) مما فررتم من الحر ، بل أشد حرا من النار  .
قال تعالى : ( ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) 85 . هم المنافقون الذين تقاعسوا عن الجهاد مع رسول الله   وبخلوا بأموالهم عن التجهيز للجهاد ، وعلموا أولادهم النفاق مثلهم ، فسوف يذلهم الله ويعذبهم في الدنيا ويموتون على الكفر ، فيعذَّبوا جزاء فعلهم يوم القيامة .
قال تعالى : ( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم أولئك لهم الخيرات ) 88 . لما ذكر تعالى ذم المنافقين ، وبين ثناءه على المؤمنين ، وما لهم في آخرتهم ، فقال : ( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا ) إلى آخر الآيتين من بيان حالهم ومآلهم . وقوله : ( أولئك لهم الخيرات أي : في الدنيا والآخرة ، في جنات الفردوس والدرجات العلى  .
قال تعالى : (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة )111 ، يخبر الله تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة ، وهذا من فضله وإحسانه وكرمه ، فإذا قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عبيده المطيعين له ، ولهذا قال الحسن البصري وقتادة : بايعهم والله ، فأغلى ثمنهم . وقال شَمِر بن عطية : ما من مسلم إلا ولله ـ جل جلاله ـ في عُنُقه بيعة ، وفَّى بها أو مات عليها . ثم تلا هذه الآية . ولهذا يقال : من حمل في سبيل الله بايع الله ، أي : قََبِِل هذا العقد ووفى به . وقال محمد بن كعب القُرَظي وغيره : قال عبد الله بن رواحه رضي الله عنه لرسول الله   ـ يعني ليلة العقبة ـ : اشترط لربك ولنفسك ما شئت . فقال : " أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " . قالوا : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال : " الجنة " . قالوا : رَبح البيعُ ، لا نُقِيل ولا نستقيل ، فنزلت : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ) . وقوله : ( يقاتلون في سبيل الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) أي : سواء قَتلوا أو قُتِلوا ، أو اجتمع لهم هذا وهذا ، فقد وجبت لهم الجنة  . فهنا المؤمن باع نفسه وأمواله لله ، والله سبحانه اشترى ودفع لهم ثمن ذلك الجنة .
قال تعالى : ( وعلى الثلاثة الذين خلِّفوا إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ) 118 .قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله ، عن عمه محمد بن مسلم الزهري : أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، أن عبد الله بن كعب بن مالك ـ وكان قائد كعب من بنيه حين عَمِيَ ـ قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله   في غزوة تبوك ، فقال كعب بن مالك : لم أتخلف عن رسول الله   في غزوة غزاها قط إلا في غزاة تبوك ، غير إني قد تخلفت في غزوة بدر ، ولم يُعاتَبُ أحدٌ تخلف عنها ، وإنما خرج رسول الله   يريد عير قريش ، حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد ، ولقد شهدت مع رسول الله   ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذْكرَ في الناس منها وأشهر ، وكان خبري حين تخلفت عن رسول الله   في غزوة تبوك ، إني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة ، وكان رسول الله   قَلَّما يريد غزوة يغزوها إلا وَرَّى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله   في حَرٍّ شديد ، واستقبل سفرا بعيدا ومفاوز ، واستقبل عدوَّا كثيرا ، فخلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوّهم ، فأخبرهم وجهه الذي يريد ، والمسلمون مع رسول الله    كثير ، لا يجمعهم كتاب حافظ ـ يريد الديوان ـ قال كعب : فَقَلّ رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى عليه ما لم ينزل فيه وحي من الله جل جلاله . وغزا رسول الله   تلك الغزاة حين طابت الثمار والظلال ، وأنا إليها أصعر ـ أميل ـ ، فتجهز إليها رسول الله   والمؤمنون معه ، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا ، فأقول لنفسي : أنا قادر على ذلك إن أردت ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمَّر بالناس الجِدّ ، فأصبح رسول الله    غاديا والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئا ، وقلت : أتجهز بعد يوم أو يومين ، ثم ألحقه ، فغدوت بعدما فصلوا لأتجهز ، فرجعت ولم أقض من جهازي شيئا . ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو ، فهممت أن أرتحل فألحقهم ـ وليت أني فعلت ـ ثم لم يقدر ذلك لي ، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد رسول الله   يحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق ، أو رجلا ممن عذره الله عزّ وجلّ . ولم يذكرني رسول الله   حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك " ما فعل كعب بن مالك ؟" فقال رجل من بني سلمة : حبسه يا رسول الله بُرْداه ، والنظر في عَطْفيه . فقال معاذ بن جبل : بئسما قلت ! والله يا رسول الله ، ما علمنا عليه إلا خيرا ! فسكت رسول الله   .
قال كعب بن مالك : فلما بلغني أن رسول الله   قد توجَّه قافلا  من تبوك حضرني بَثّي ، وطفقت أتذكر الكَذب ، وأقول : بماذا أخرج من سخطه غدا ؟ وأستعين على ذلك بكلّ ذي رأي من أهلي . فلما قيل : رسول الله   قد أظلّ قادما ، زاح عني الباطل وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا . فأجمعت صدقه ، فأصبح رسول الله    ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلّى ركعتين ، ثم جلس للناس . فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ـ وكانوا بضعة وثمانين رجلا ـ فيقبل منهم رسول الله   علانيتهم ويستغفر لهم ، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى ، حتى جئت ، فسلمت عليه تبسم تبسُّم المغضب ، ثم قال لي : " تعال " فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي : " ما خلَّفك ؟ ألم تكن قد اشتريت ظهرا ؟ " فقلت : يا رسول الله ، إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ، أرأيت أن أخرج من سَخَطه بعذر ، لقد أعطيت جدلا ، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ، ليوشكن الله أن يسخطك علي ! ولئن حدثتك بصدق يجد علي  فيه ، إني لأرجو أقرب عقبي ذلك من الله جل وعلا ؛ والله ما كان لي عذر ، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك . قال : فقال رسول الله   : " أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك " فقمت ، وقام إلي رجال من بني سلمة واتبعوني ، فقالوا لي : والله ما علمناك كنت أذنب ذنبا قبل هذا ، ولقد عجزت إلا أن تكون اعتذرت إلى رسول الله   بما اعتذر به المتخلفون ، فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله   لك . قال : فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأُكذّب نفسي . قال : ثم قلت لهم : هل لقي معي هذا أحدٌ ؟ قالوا : نعم ، لقيه معك رجلان ، قالا مثل ما قلتَ ، وقيل لهم مثل ما قيل لك . فقلت : فمن هما ؟ . قالوا مُرَارة بن الربيع العامري ، وهلال بن أمية الواقفي . فذكروا لي رجلين صلحين قد شهدا بدرا، لي فيهما أسوة . قال فمضيت حين ذكروهما لي . قال : ونهى رسول الله   المسلمين عن كلامنا ـ أيها الثلاثة ـ من بين من تخلف عنه ، فاجتَنَبَنا الناس وتغيّروا لنا ، حتى تنكرَتْ لي في نفسي الأرْض ، فما هي بالأرض التي كنت أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة . فأما صاحباي ، فاستكانا وقعدا في بيتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم ، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ، فلا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله   وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم ، وأقول في نفسي : أحرّك شفتيه برد السلام عليَّ أم لا ؟ ثم أصلي قريبا منه ، وأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليَّ ، فإذا التفت نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال عليَّ ذلك من هجر المسلمين ، مشيت حتى تسوّرت حائط ابن قتادة ـ وهو ابن عمي ، وأحب الناس إليَّ ـ فسلمت عليه ، فوالله ما رد علي السلام ! فقلت له : يا أبا قتادة ، أنشدُك الله : هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ قال : فسكت . قال : فعدت فنشدته ، فسكت ، فعدت له فنشدته ، فسكت ، فقال : الله ورسوله أعلم . قال : ففاضت عيناي ، وتوليت حتى تسورت الجدار . فبينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا بنبطي من أنباط الشام ، ممن قدم بطعام يبيعه في المدينة يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ قال : فطفِقَ الناس يشيرون له إليَّ ، حتى جاء فدفع إليّ كتابا من ملك غسان ، وكنت كاتبا ، فإذا فيه : أما بعد ، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، وإن الله لم يجعلك في دار هَوان ولا مَضْيعَة  ، فالحق بنا نُواسكَ . قال : فقلت حين قرأته : وهذا أيضا من البلاء . قال : فتيممت به التنور فَسَجَرْته بها ، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ؛ إذا برسول الله   يأتيني يقول : يأمرك رسول الله   أن تعتزل امرأتك . قال : فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ فقال : بل اعتزلها ولا تقربها . قال : وأرسل على صاحبيّ بمثل ذلك . قال : فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك ، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما يشاء . قال : فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله   ، فقالت : يا رسول الله ، إن هلالا شيخ ضعيف ليس له خادم ، فهل تكره أن أخدمه ؟ قال : " لا ، ولكن لا يقربنَّك " . قالت وإنه والله ما به من حركة إلى شيء ، وإنه والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا . قال : فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله   في امرأتك ، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه . قال : فقلت : والله لا أستأذن فيها رسول الله    ، وما أدري ما يقول فيها رسول الله   إذا استأذنته وأنا رجل شاب ؟ .
قال : فلبثنا عشر ليال ، فَكَمُل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا قال : ثم صليت صلاة الصبح صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا ؛ قد ضاقت عليَّ   نفسي  ، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت ، سمعت صارخا أوفى على جبل سَلْع يقول بأعلى صوته : أبشر يا كعب بن مالك ، قال : فخررت ساجدا ، وعرفت أن قد جاء الفرج من الله جلَّ وعلا بالتوبة علينا ، فآذن رسول الله   بتوبة الله علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، وذهب قِبَل صاحبيَّ مبشرون ، وركض إلي رجل فرسا ، وسعى ساع من أسلم ، وأوفى على الجبل ، فكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعت له ثوبيَّ ، فكسوتهما إياه ببشارته ـ والله ما أملك يومئذ غيرهما ـ واستعرت ثوبين فلبستهما ، وانطلقت أؤم رسول الله   ، وتلقاني الناس فوجا فوجا يهنوني بتوبة الله ، يقولون : لِيَهْنَك توبة الله عليك . حتى دخلت المسجد ، فإذا رسول الله   جالس في المسجد والناس حوله ، فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله يُهرول ، حتى صافحني وهنَّأني ، والله ما قام إليَّ رجل من المهاجرين غيره قال : فكان كعب لا ينساها لطلحة . قال كعب : فلما سلمت على رسول الله   قال وهو يُبرق وجهه من السرور : " أبشر بخير مَرّ عليك منذ ولدتك أمك " . قال : قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : " لا ، بل من عند الله " . قال : وكان رسول الله   إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، حتى يعرف ذلك منه ، فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله . قال : " أمسك عليك بعض مالك ، فهو خير لك " . قال : فقلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر . وقلت : يا رسول الله ، إنما نجاني الله بالصدق ، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت . قال : فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله   أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت كَذْبّة منذ قلت ذلك لرسول الله   إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله جل جلاله فيما بقي  .
قال تعالى : (ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليكم ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) 120. يعاتب تبارك وتعالى المتخلفين عن رسول الله   في غزوة تبوك ، من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب ، ورغبهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل له من المشقة ، فإنهم نَقَصُوا أنفسهم من الأجر ؛ لأنهم ( لا يصيبهم ظمأ )  وهو العطش ( ولا نصب ) وهو التعب ( ولا مخمصة ) وهي المجاعة ( ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ) أي : ينزلون منزلا يرهب عدوهم ( ولا ينالون ) منه ظفرا وغلبة عليه ( إلا كُتِبَ لهم ) بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرهم ، وإنما هي ناشئة عن أفعالهم ، أعمالا صالحة وثوابا جزيلا ( إن الله لا يضيع أجر المحسنين )  .
قال تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليكم ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) 128 . يقول تعالى ممتنا على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولا من أنفسهم ، أي من جنسهم وعلى لغتهم . والكل من أهل مكة ومن الأعراب يعرفون نسبه وصفته ومدخله ومخرجه وصدقه وأمانته .
كلمة نفس في سورة يونس :
قال تعالى : ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ) 15، أي : نفسي بمعنى عندي ، يخبر الله تعالى تعنت الكفار من مشركي قريش ، الجاحدين الحق المعرضين عنه ، أنهم إذا قرأ عليهم الرسول   كتاب الله وحُجَّتِه الواضحة قالوا : رُدَّ هذا وجئنا بغيره من نمط آخر ، أو بدّله إلى وضع آخر ، فقل لهم ليس هذا إليَّ ، إنما عبد مأمور ، ورسول مبلغ عن الله سبحانه وتعالى  .
قال تعالى : ( فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ) 23 . أخبر الله تعالى أنه : ( هو الذي يسيركم في البر والبحر ) أي : يحفظكم ويكلؤكم بحراسته ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها ) أي : بسرعة سيرهم رافقين ، فبينما هم كذلك إذ ( جاءتها ) أي : تلك السفينة ( ريح عاصف ) أي : شديدة ( وجاءهم الموج من كل مكان ) أي : اغتلم البحر عليهم ( وظنوا أنهم أُحيط بهم ) أي : هلكوا ( دعوا الله مخلصين له الدين ) أي : لا يدعون معه صنما ولا وثنا ، بل أفردونه بالدعاء والابتهال ، كقوله : ( وإذا مسكم الضر في البحر ضلَّ من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا ) الإسراء ، آية : 67 . وقال ههنا : ( دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه ) أي : هذه الحال ( لنكونن من الشاكرين ) أي : لا نشرك بك أحدا ، ولنفردنك بالعبادة كما أفردناك بالدعاء ههنا ، قال الله تعالى : ( فلما أنجاهم ) أي : من تلك الورطة ( إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق ) أي : كأن لم يكن من ذلك شيء ( كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ) . ثم قال تعالى : ( يأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ) أي : إنما يذوق وبال هذا البغي أنتم أنفسكم ولا تضرون به أحدا غيركم ، كما جاء في الحديث الشريف :" ما من ذنب أجدر أن يعجِّل الله عقوبته في الدنيا ، مع ما يدخر الله لصاحبه في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم ". وقوله : ( متاع الحياة الدنيا ) أي : إنما لكم متاع في الدنيا الدنيئة الحقيرة ( ثم إلينا مرجعكم ) أي : مصيركم ومآلكم ( فننبئكم ) أي : فنخبركم بجميع أعمالكم ، ونوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه  .
قال تعالى : ( هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضلَّ عنهم ما يفترون ) 30 . أي : في موقف الحساب يوم القيامة ، تختبر كل نفس وتعلم ما سلف من عملها من خيرِ و شرِّ ، كقوله تعالى : ( يوم تبلى السرائر ) الطارق ، آية : 9 . وقال تعالى : ( ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) القيامة ، آية : 13 . وقال تعالى : ( وَنُخْرِجُ له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم شهيدا ) الإسراء ، آية : 13 ، 14 . وقد قرأ بعضهم : ( هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت ) ، وفسَّرها بعضهم بالقراءة ، وفسّرها بعضهم بمعنى تتبع ما قدمته من خير وشر ، وفسرها بعضهم بحديث : " لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت " الحديث ، وقوله : وَرُدُّوا إلى الله مولاهم الحق ) أي : ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل ، ففصلها ، وأدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار . ( وضَلَّ عنهم ) أي : ذهب عن المشركين ( ما كانوا يفترون ) أي : ما كانوا يعبدون من دون الله افتراءً عليه  .
قال تعالى : ( إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) 44 . أخبر الله تعالى أنه لا يظلم أحدا ، وإن كان قد هدى به من هدى وبصر به من العمى، وفتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، وأضل به عن الإيمان آخرين ، فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما شاء ، الذي لا يُسْأل عما يفعل وهم يسألون ، لعلمه وحكمته وعدله ، ولهذا قال تعالى : ( إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) . وفي الحديث عن أبي ذر ، عن النبي   ، فيما يرويه عن ربه عز وجل : " يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ـ إلى أن قال في آخره ـ : يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " رواه مسلم بطوله  . وإذا وجد الظلم للإنسان فهو من الإنسان نفسه ، بما تقترف نفسه من آثام ، والبعد عن منهج الله تعالى .
قال تعالى : ( قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله ) آية :  49. يقول تعالى مخبرا عن كُفْر هؤلاء المشركين في استعجالهم العذاب وسؤالهم عن وقته قبل التعيين ، مما لا فائدة لهم فيه ، كقوله : ( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ) الشورى ، آية : 18 . أي : كائنة لا محالة ، وواقعة وإن لم يعلموا وقتها عينا ؛ ولهذا أرشد الله تعالى رسوله   إلى جوابهم فقال : ( قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله ) أي : لا أقول إلا ما علَّمني ، ولا أقدر على شيء مما استأثر به إلا أن يطلعني عليه ، فأنا عبده ورسوله إليكم  .
قال تعالى : (ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب )54 . أخبر تعالى أنه إذا قامت القيامة يودّ الكافر لو افتدى من عذاب الله بملء الأرض ذهبا . ( وأسروا الندامة لمَّا رأوا العذاب وقضى بينهم بالقسط ) أي : بالحق  ( وهم لا يظلمون ) . نفس : ذات الإنسان .
قال تعالى : ( وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون )100. الرجس : هو الخبال والضلال ، إن الله تعالى فعال لما يريد ، الهادي من يشاء ، والمضل لمن يشاء، لعلمه وحكمته وعدله ، . ( على الذين لا يعقلون ) أي : حجج الله وأدلته ، وهو العادل في كل ذلك ، في هداية من هدى ، وإضلال من ضل  . (لنفس ) أي : لذات الإنسان .
قال تعالى : ( يأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَّ فإنما يضلُّ عليها وما أنا عليكم بوكيل ) 108 . يقول الله تعالى آمرا لرسوله   ، أن يخبر الناس أن الذي جاءهم به من عند الله هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك فيه ، فمن اهتدى به واتبعه فإنما يعود نفع ذلك الاتباع على نفسه ، ومن ضلَّ عنه فإنما يرجع وبال ذلك عليه ، وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين ، وإنما أنا نذير لكم والهداية على الله تعالى  .
كلمة نفس في سورة هود :
قال تعالى : (أولئك الذين خسروا أنفسهم وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون ) 21 ،أي : خسروا أنفسهم ، لأنهم أدخلوا نارا حامية ، فهم معذبون فيها لا يُفَتَّر عنهم من عذابها طرفة عين ، كما قال تعالى ( كلَّما خبت زدناهم سعيرا ) الإسراء : 97 . و ( ضلَّ عنهم ) أي : ذهب عنهم ( ما كانوا يفترون ) من دون الله ؛ من الأنداد والأصنام ، فلم تُجْدِ عنهم شيئا ، بل ضرتهم كل الضرر  .
قال تعالى : ( ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني مَلَكٌ ولا أقول للذين تزدري أعينهم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين )31 ، يخبرهم أنه رسول من الله ، يدعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، بإذن الله له في ذلك ، ولا يسألهم على ذلك أجرا ، بل هو يدعو من لقيه من شريف ووضيع ، فمن استجاب له فقد نجا . ويخبرهم أنه لا قدره له على التصرف في خزائن الله ، ولا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه ، ليس هو بمَلك من الملائكة ، بل بشر مرسل ، مؤيد بالمعجزات . ولا أقول عن هؤلاء الذين تحقرونهم وتزدرونهم : إنهم ليس لهم عند الله ثواب على أعمالهم ، الله أعلم بما في نفوسهم ، فإن كانوا مؤمنين باطنا ـ كما هو الظاهر في حالهم ـ فلهم جزاء الحسنى ، ولو قطع لهم أحد بشر بعد ما آمنوا ، لكان ظالما قائلا ما لا علم له به   .
قال تعالى : ( وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لمَّا جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب ) 101 ، أي : إذا أهلكناهم ، ( ولكن ظلموا أنفسهم ) بتكذيبهم رسلنا وكفرهم بهم ، ( فما أغنت عنهم آلهتهم ) أوثانهم التي يعبدونها ويدعونها ، ( من دون الله من شيء ) ما نفعوهم ولا أنقذوهم لما جاء أمر الله بهلاكهم ، ( وما زادوهم غير تتبيب ) قال مجاهد ، وقتادة وغيرهما : أي غير تخسير ، وذلك سبب هلاكهم ودمارهم إنما كان باتباعهم تلك الآلهة وعبادتهم  إياها ، فلهذا خسروا الدنيا والآخرة  .
قال تعالى: ( يوم يأتِ لا تُكَلَّم نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) 105 .إي : يوم القيامة ، لا يتكلم أحد إلا بإذن الله ، كقوله : ( لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) النبأ : 38 . وقال : ( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) طه : 108 . وفي الصحيحين من حديث الشفاعة : " ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ، ودعوى الرسل يومئذ : اللهم سَلّم سَلّم " وقوله : فمنهم شقي وسعيد ) أي : فمن الجمع شقي، ومنهم سعيد  ، كما قال : ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) الشورى : 7 .
كلمة نفس في سورة يوسف :
قال تعالى : ( وجآؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) 18 . (سولت لكم أنفسكم ) الأمر الذي اتفقتم عليه .
قال تعالى : ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ) 23 ، يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها بمصر ، وقد أوصاها زوجها به وبإكرامه فراودته عن نفسه ، أي : حاولته على نفسه ، ودعته إليها ، وذلك أنها أحبته حبا شديدا ؛ لجماله وحسنه وبهائه ، فحملها ذلك على أن تجملت له ، وغلقا الأبواب ، ودعته إلى نفسها ، فامتنع من ذلك أشد الامتناع  .
قال تعالى : ( قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها أن كان قميصه قد من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين ) 26 ، انتصر سينا يوسف عليه السلام بالحق ، وتبرأ مما رمته به من الخيانة ، و( قال ) بارا صادقا : ( هي راودتني عن نفسي ) وذكر إنها اتبعته تجذبه إليها حتى قد قميصه ( وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قُدَّ من قُبُلٍ ) أي : من قدامه ، ( فصدقت ) أي : في قولها إنه راودها عن نفسها ، لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره ، فقدت قميصه ، فيصح ما قالت ، وإذا قُدَّ القميص من دبر يكون كما وقع لما هرب منها وتطلبه ، أمسكت بقميصه من ورائه لترده إليها ، فقدت قميصه من ورائه  .
قال تعالى : (وقال نسوةٌ في المدينة امرأتُ العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين ) 30 ، يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز شاع في المدينة ، وهي مصر ، حتى تحدّث به الناس ، ( وقال نسوة في المدينة ) مثل نساء الكبراء والأمراء ، ينكرن على امرأة العزيز ـ وهو الوزير ـ ويعبن ذلك عليها ( امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه ) أ ي : تحاول غلامها عن نفسه ، وتدعوه إلى نفسها ( قد شغفها حبَّا ) أي : قد وصل حبه إلى شغاف قلبها ، وهو غلافه . قال الضحاك عن ابن عباس : الشغف : الحب القاتل ، والشغف دون ذلك ، والشغاف : حجاب القلب . ( إنا لنراها في ضلال مبين ) أي : في صنيعها هذا من حبها فتاها ومراودتها إياه عن نفسه  .
قال تعالى : (قالت فذلكن الذي لُمْتُنَّني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) 32 ، تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق أن يحب لجماله وكماله ، فراودته عن نفسه فامتنع . قال يعضهم : لما رأين جماله الظاهر ، أخبرتهن بصفاته الحسنة التي يخفى عنهن ، وهي العفة مع هذا الجمال  .
قال تعالى : ( قال ما خطبكن إذا راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء ، قالت امرأت العزيز : الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ) 51 ، هنا إخبار عن الملك حين جمع النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز ، فقال مخاطبا لهن كلهن ـ وهو يريد امرأة وزيره العزيز ـ قال الملك للنسوة اللاتي قطعن أيديهن : ( ما خطبكنَّ ) أي : شأنكن وخبركن ( إذ راودتن يوسف عن نفسه ) يعني : يوم الضيافة ( قلن حاش لله ما علمنا عليه سوء ) أي : قالت النسوة جوابا للملك : حاش لله أن يكون يوسف متهما ، والله ما علمنا عليه من سوء ، فعند ذلك : ( قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : تقول : الآن تبين الحق وظهر وبرز .( أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ) أي : في قوله : ( هي راودتني عن نفسي ) . ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) تقول : إنما اعترفت بهذا على نفسي ، ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر ، ولا وقع المحذور الأكبر ، وإنما راودت هذا الشاب مراودة ، فامتنع ؛ فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة .
قال تعالى على لسان امرأة العزيز : (وما أبرئ نفسي ، إن النفس لأمارة بالسوء )53 ، تقول المرأة : ولست أبرئ نفسي ، فإنَّ النفس تتحدث وتتمنى ؛ ولهذا راودته لأن ( النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) أي : إلا من عصمه الله تعالى ( إن ربي غفور رحيم )  .
قال تعالى على لسان الملك : (  قال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين ) 54 ، يقول تعالى إخبارا عن الملك حين تحقق براءة يوسف عليه السلام ، ونزاهة عرضه مما نسب إليه قال : ( استخلصه لنفسي ) أي : أجعله من خاصّتي وأهل مشورتي ( فلما كلمه ) أي : خاطبه الملك وعرفه ، ورأى فضله وبراعته ، وعلم ما هو عليه من خُلْق وكمال ، قال له الملك : ( إنك اليوم لدينا مكين أمين ) أي : إنك عندنا قد بقيت ذا مكانة وأمانة  .
قال تعالى : (إلا حاجة في نفس يعقوب) 68 ، هي دفع إصابة العين لأولاده ، فخشي على أولاده من العين ، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة  ، ومنظر وبهاء ، عند دخولهم مصر فأمرهم أن لا يدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة .
قال تعالى : (فأسرها يوسف في نفسه )77 ، يعني : الكلمة التي بعدها وهي قوله : ( أنتم شرٌّ مكانا والله أعلم بما تصفون ) أي : تذكرون . قال هذا في نفسه ، ولم يبده لهم ، وهذا من باب الإضمار قبل الذكر . قال العوفي عن ابن عباس : ( فأسرها يوسف في نفسه ) قال أسر في نفسه : ( أنتم شرٌّ مكانا والله أعلم بما تصفون )  .
قال تعالى : ( قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل )83 .قال لهم كما قال لهم حين جاؤوه على قميص يوسف بدم كذب : ( بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ) قال محمد بن إسحاق : لما جاؤوا يعقوب وأخبروه بما جرى اتهمهم ، فظن أنها كفعلتهم بيوسف ( قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ) ، وقال بعض الناس : لما كان صنيعهم هذا مرتبا على فعلهم الأول ، سُحب حكم الأول عليه  .
كلمة نفس في سورة الرعد :
قال تعالى : (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم 11) ، أي : ما بدواخلهم . قال ابن أبي حاتم  : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا حفص بن غِياث ، عن أشعث ، عن جهم ، عن إبراهيم قال : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل : أن قل لقومك : إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله ، إلا حوَّل الله عنهم ما يحبون إلى ما يكرهون ، ثم قال تصديق ذلك في كتاب الله : (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .
قال تعالى : (لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضراً) 16 ، يقرر تعالى أنه لا إله إلا هو ؛ لأنهم معترفون بأنه هو الذي خلق السماوات والأرض ، وهو ربها ومدبرها ، وهم مع هذا قد اتخذوا من دونه أولياء يعبدونهم ، وأولئك  هم الآلهة لا تملك لأنفسها ـ ولا لعابديها بطريق الأولى ـ ( نفعا ولا ضرا ) أي : لا تحصل لهم منفعة ، ولا تدفع عنهم مضرة . فهل يستوي من عبد هذه الآلهة مع الله ، ومن عبد الله وحده لا شريك له ، فهو على نور من ربه  .
قال تعالى : (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) 33 ، أي : حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة يعلم ما يعمل العاملون من خير أو شر ، ولا يخفى عليه خافية  .
قال تعالى : (يعلم ما تكسب كل نفس) 42 .أي : أنه تعالى عالم بجميع السرائر والضمائر ، وسيجزي كل عامل بعمله  .
كلمة نفس في سورة إبراهيم :
قال تعالى : ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) 22 ، يخبر تعالى عما خاطب به إبليس أتباعه ، بعدما قضى الله بين عباده ، فأدخل المؤمنين الجنات ، وأسكن الكافرين الدركات ، فقام فيهم إبليس ـ لعنه الله ـ يومئذ خطيبا ليزيدهم حزنا إلى حزنهم ، وغبنا إلى غبنهم ، وحسرة إلى حسرتهم ، فقال : ( إن الله وعدكم وعد الحق ) أي : على ألسنة رسله ، ووعدكم في إتباعهم النجاة والسلامة ، وكان وعدا حقا ، وخبرا صادقا ، وأما أنا وعدتكم وأخلفتكم . كما قال تعالى : ( يعدهم ويمنِّيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) النساء ، آية : 120 ، ثم قال : ( وما كان لي عليكم من سلطان ) أي : ما كان لي عليكم ـ فيما دعوتكم إليه ـ من دليل ولا حجة فيما وعدتكم به ، ( إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ) بمجرد ذلك أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاؤوكم به ، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه ( فلا تلوموني ) اليوم ، ( ولوموا أنفسكم ) فإن الذنب لكم ، لكونكم خالفتم الحجج واتبعتموني بمجرد ما دعوتكم إلى الباطل  .
قال تعالى : (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) 45 ، أي : قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم ، ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر ، ولم يكن فيما أوقعنا بهم لكم مزدجر  ( حكمة بالغة فما تغني النذر ) القمر : 5 .
قال تعالى : (ليجزي الله كل نفس ما كسبت )51  . أي : يوم القيامة ، كما قال : ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) النجم : 31 .
كلمة نفس في سورة النحل :
قال تعالى:(وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا ببالغيه إلا بشق الأنفس)7، ( وتحمل أثقالكم ) : هي الأحمال الثقيلة التي تعجزون عن نقلها وحملها ، ( إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ) وذلك في الحج والعمرة والغزو والتجارة ، وما جرى مجرى ذلك ، تستعملونها في أنواع الاستعمال ، من ركوب وتحميل   ، كقوله : ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نُسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون * وعليها وعلى الفلك تُحْمَلون ) المؤمنون : 21 ، 22 .
قال تعالى : (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السّلَم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ) 28 ، يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم الخبيثة : قالوا ( فألقوا السّلَمَ ) أي : أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين : ( ما كنا نعمل من سوء ) كما يقولون يوم المعاد : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) الأنعام : 23 . ، ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ) المجادلة : 18 . قال الله مكذبا لهم في قيلهم   ذلك : ( بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون ) .
قال تعالى : (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) 33 ، يقول تعالى مهددا للمشركين على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا : هل ينتظر هؤلاء إلا الملائكة أن تأتيهم لقبض أرواحهم ؟ قاله قتادة . ( أو يأتي أمر ربك ) أي : يوم القيامة وما يعانون من الأهوال . وقوله : كذلك فعل الذين من قبلهم ) أي : هكذا تمادى في شركهم ( وما ظلمهم الله ) لأنه تعالى أعذر إليهم ، وأقام حججه عليهم بإرسال رسله وإنزال كتبه ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) أي : بمخالفة الرسل والتكذيب بما جاؤوا به ، فلهذا أصابتهم عقوبة الله على ذلك  .
قال تعالى : (والله جعل لكم في أنفسكم أزواجا  وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة )72 ، يذكر تعالى نعمه على عبيده ؛ بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا من جنسهم وشكلهم ، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ، ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة . ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورا وإناثا ، وجعل الإناث أزواجا للذكور . ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة ، وهم أولاد البنين  .
قال تعالى : (ويوم نبعث في كل أمة شهيد عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ) 89 ، يقول تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا   اذكر ذلك اليوم وهوله ، وما منحك الله فيه الشرف العظيم والمقام الرفيع ، ( هؤلاء ) يعني : أمتك . وهذه الآية شبيهة بالآية التي انتهى إليها عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول الله   صدر سورة " النساء " فلما وصل إلى قوله : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) النساء : 41 . فقال له رسول الله   : " حسبك " . فقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : فالتفت فإذا عيناه تذرفان  .
قال تعالى : (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ، وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ) 111 ، أي : تحاج عن نفسها ليس أحد يحاج عنها لا أب ولا أخ ولا زوج ( وتوفى كل نفس ما عملت ) أي : من خير وشر ( وهم لا يظلمون ) أي : لا ينقص من ثواب الخير ، ولا يزاد على ثواب الشر ، ولا يظلمون نقيرا  .
قال تعالى : ( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) 118 . لما ذكر الله تعالى أنه إنما حرم علينا الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، وإنما أرخص فيه عند الضرورة ـ وفي ذلك توسعة لهذه الأمة ، التي يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر ـ ذكر U ما كان حَرَّمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها ، وما كانوا فيه من الآصار والتضييق ، والأغلال والحرج ، فقال : ( وعلى الذين هادوا حَرَّمنا ما قصصنا عليك من قبل ) أي : في سورة " الأنعام " في قوله : ( وعلى الذين هادوا حَرَّمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوا يا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون ) الأنعام : 146 . ولهذا قال ههنا : ( وما ظلمناهم ) أي : فيما ضيقنا عليهم ، ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) أي : فاستحقوا ذلك  ، كقوله : ( فَبِظُلْمٍ من الذين هادوا حرَّمنا عليهم طيبات أُحِلَّتْ لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ) النساء : 160 .
كلمة نفس في سورة الإسراء :
قال تعالى : (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم  وإن أسأتم فلها )7 ، أي : فعليها ، إنما يعود هذا الإحسان على من قام به ، ويجازى عنه يوم القيامة بأحسن الجزاء ، وإن أقام بالسيئات ، فيرجع وبال هذا العمل عليه ، وينال عليه سوء العقاب . كما قال تعالى : ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ) فصلت : 46 .
   قال تعالى : ( اقرأ كتابك كفى بنفسك عليك حسيبا ) 14 ، أي : إنك تعلم أنك لم تظلم ولم يكتب عليك إلا ما عملت ، لأنك ذكرت جميع ما كان منك ، ولا ينسى أحد شيئا مما كان منه ، وكل أحد يقرأ كتابه من كاتب وأمي  .
قال تعالى : ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ) 15 ، يخبر تعالى أن من اهتدى واتبع الحق ، واقتفى أثر النبوة ، فإنما يحصل عاقبة ذلك الحميدة لنفسه ومن ضل عن الحق وزاغ عن سبيل الرشاد ، فإنما يجني على نفسه ، وإنما يعود وبال ذلك عليه  .
قال سبحانه :( ربكم أعلم بما في نفوسكم  ).أي : دواخلها من خير أو شرّ . قال سعيد بن جبير : هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه ، وفي نيته وقلبه أنه لا يؤخذ به ـ وفي رواية : لا يريد إلا الخير بذلك ـ فقال : ( ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين ) . وقوله : ( فإنه كان للأوابين غفورا ) قال قتادة : للمطيعين أهل الصلاة . وعن ابن عباس : المسبحين . وفي رواية عنه : المطيعين المحسنين  .
قال تعالى : (ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق) 33. يقول الله ناهيا عن قتل النفس بغير حق شرعي ، كما ثبت في الصحيحين ، أن رسول الله   قال : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والزاني المحصن ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " . وفي السنن : " لزوال الدنيا عند الله أهون من قتل مسلم "  .
كلمة نفس في سورة الكهف :
قال تعالى : (فلعلك باخع نفسك على آثارهم) 6 ، يقول تعالى مسليا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه في حزنه على المشركين ، لتركهم الإيمان وبعدهم عنه ، كما قال تعالى : ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما تصنعون ) فاطر : 8 . وقال : ( ولا تحزن عليهم ) النحل : 127 . وقال : ( لعلك باخع نفسك إلا يكونوا مؤمنين ) الشعراء : 3 . باخع : أي مهلك نفسك بحزنك عليهم ؛ ولهذا قال : ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ) يعني القرآن . ( أسفا ) يقول : لا تهلك نفسك أسفا . قال قتادة : قَاتِل نفسك غضبا وحزنا عليهم . وقال مجاهد : جزعا . والمعنى متقارب ، أي لا تأسف عليهم ، بل أبلغهم رسالة الله ، فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات  .
قال تعالى : (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ) 28 ، أي : اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ، ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ، ويسألونه بكرة وعشيا من عباد الله ، سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء . يقال نزلت في أشراف قريش ، حين طلبوا من النبي   يجلس معهم وحده ، ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود ، وليفرد أولئك بمجلس على حدة . فنهاه الله عن ذلك ، فقال : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) الأنعام : 52 . ، وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء  .
قال تعالى : (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه )35 ، أي بكفره وتمرده وتكبره وتجبره وإنكار المعاد واغتراره بنفسه .
قال تعالى : ( ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم ) 51 ، يقول تعالى : هؤلاء الذين اتخذتموهم أولياء من دوني عبيد أمثالكم ، لا يملكون شيئا ، ولا أشهدهم خلق السماوات والأرض ، ولا كانوا إذ ذاك موجودين ، يقول تعالى : أنا المستقل بخلق الأشياء كلها ، ومدبرها ومقدرها وحدي ، ليس معي في ذلك شريك ولا وزير ، ولا مشير ولا نظير  .
قال تعالى : (أقتلت نفسا زكية بغير نفس) 74  .عندما خرج سيدنا الخضر وسيدنا موسى عليهما السلام من السفينة ، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه بيده فقتله ، فقال له سيدنا موسى : ( أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا  ) .
وردت كلمة نفس في سورة طه :
قال تعالى: ( إن الساعة آتية أكاد أُخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ) آية : 15 . أي : قائمة لا محالة ، وكائنة لا بد منها ، وقوله : ( أكاد أُخفيها ) قال الضحاك عن ابن عباس : أنه كان يقرؤها : ( أكاد أُخفيه من نفسي ) ، يقول : لأنها لا تخفى من نفس الله أبدا . وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : من نفسه ، أي : لا أطلع عليها أحد غيري . وقال السدي : ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله عنه علم الساعة ، وهي في قراءة ابن مسعود : ( إني أكاد أخفيها من نفسي ) ، يقول : كتمها عن الخلائق حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت وقال قتادة : لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ، ومن الأنبياء المرسلين وقوله جل جلاله : ( لتجزى كل نفس بما تسعى ) أي : أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله  .
قال تعالى: (وقتلت نفسا فنجيناك من الغم) آية : 40 . يعني: القبطي ، ( فنجيناك من الغم ) وهو ما حصل له بسبب عزم آل فرعون على قتله ، ففر منهم هاربا ، حتى ورد ماء مدين  ، وقال له ذلك الرجل الصالح : ( لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) القصص : 25 .
قال تعالى : ( واصطنعتك لنفسي ) 41 . أي : اصطفيتك واجتبيتك رسولا لنفسي ، كما أريد وأشاء .
قال تعالى : ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ) آية : 67 . أي : خاف على الناس أن يفتتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل يلقي ما في يمينه ، فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن ( ألق ما في يمينك ) يعني عصاك  ، فإذا هي ( تلقف ما صنعوا ) وذلك أنها صارت تنينا عظيما هائلا ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس ، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئا إلا أتلفته وابتلعته ، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهرة ، نهارا ضحوة . فقامت المعجزة ، واتضح البرهان ، ووقع الحق وبطل السحر .
قال تعالى : ( وكذلك سولت لي نفسي ) آية : 96 . يقول موسى عليه السلام للسامري : ما حملك على ما صنعت ؟ وما الذي عرض لك حتى فعلت ما فعلت ؟ قال : رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون فقبضت قبضة من أثر فرسه ، وكان بنو إسرائيل قد استعادوا حلي آل فرعون ، فقال لهم السامري : إنما أصابكم من أجل هذا الحلي ، فاجمعوه . فأوقدوا عليه فذاب ، فرآه السامري فألقي في روعه ، إنك لو قذفت هذه القبضة في هذه فقلت : "كن " فكان . فقذف القبضة فكان عجلا جسدا له خوار فقال ( هذا إلهكم وإله موسى ) . ولهذا قال : ( فنبذتها ) أي : ألقيتها مع من ألقى  ( وكذلك سولت لي نفسي ) أي : حسنته وأعجبها إذ ذاك  .
ورود كلمة نفس في سورة الأنبياء :
قال تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) آية : 35 . كل الناس سائرون إلى الموت في الدنيا ، ( كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) الرحمن : 26 ، 27 .
قال تعالى : ( لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون ) آية : 43 . أي هذه الآلهة التي استندوا إليها غير الله لا يستطيعون نصر أنفسهم ، ولا هم من الله يجارون ولا يصبحون من الله بخير  .
قال تعالى ( فلا تُظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) 47 . كما قال تعالى ( ولا يظلم ربك أحدا ) الكهف 49 . وقال ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) النساء : 40 .
قال تعالى : ( فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكن أنتم الظالمون ) آية 64 . يقول تعالى مخبرا عن قوم إبراهيم حين قال لهم ما قال : ( فرجعوا إلى أنفسهم ) أي : بالملامة في عدم احترازهم وحراستهم لآلهتهم ، فقالوا : ( إنكم أنتم الظالمون ) أي : في ترككم لها مهملة لا حافظ عندها  .
قال تعالى : ( لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ) آية : 102 . ( لا يسمعون حسيسها ) أي : مبعدين عن حريقها في الأجساد ، فسلمهم من المحذور والمرهوب ، وحصل لهم المطلوب والمحبوب  .
ورود كلمة نفس في سورة المؤمنون :
قال تعالى : ( ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون ) 62 . يقول تعالى مخبرا عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا : أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها  ، أي : إلا ما تطيق حمله والقيام به ، وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء ؛ ولهذا قال : ( ولدينا كتاب ينطق بالحق ) يعني كتاب الأعمال  .
قال تعالى : ( ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) 103 . أي : فمن ثقلت سيئاته على حسناته ، خابوا وهلكوا ، وباؤوا بالصفقة الخاسرة . وأنهم في جهنم ماكثون دائمون مقيمون فلا يظعنون .
ورود كلمة نفس في سورة النور :
قال تعالى : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ) آية 6 . هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج ، إذا قذف أحدهم زوجته وتعسر عليه إقامة البينة ، أن يلاعنها ، كما أمر الله تعالى ، وهو أن يحضرها إلى الإمام ، فيدّعي عليها بما رماها به ، فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابل أربعة شهداء ، ( وإنه لمن الصادقين ) أي : أي فيما رماها به من الزنا  .
قال تعالى : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) آية : 12 . هذا تأديب من الله تعالى للمؤمنين في قصة عائشة رضي الله عنها حين أفاض بعضهم في ذلك الكلام السيئ ، وما ذكر من شأن الإفك ، فقال تعالى : ( لولا ) بمعنى : هلا ( إذ سمعتموه ) أي : ذلك الكلام الذي رميت به أم المؤمنين ( ظن المؤمنين والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) أي : قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم ، فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولى والأحرى  .
قال تعالى ( ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ) آية : 61 . أي بيوت الأبناء ، ولهذا استدل بهذا من ذهب إلى أن مال الولد بمنزلة مال أبيه . وأما النفس بمعنى "الأخ أو الابن" فشاهده قوله سبحانه : (  فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ) آية : 61 .أي : فليسلم بعضكم على بعض ، أي :على إخوانكم  أو أهلكم .
وردت كلمة النفس في سورة الفرقان :
قال تعالى : (ولا يملكون لأنفسهم ضرَّاً ولا نفعاً) 3 ،يخبر تعالى عن جهل المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ، الخالق لكل شيء ، المالك لأزمة الأمور ، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . ومع هذا عبدوا معه الأصنام ما لا يقدر على خلق جناح بعوضة ، بل هم مخلوقون ، ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ، فكيف يملكون لعابدهم ؟  .
قال تعالى : (لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتوا كبيرا) 21 ، هنا يدل على تعنت الكفار في كفرهم وعنادهم . كان الاستكبار والتعنت مطبوع في داخلهم .
قال تعالى : (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) 68 .قال الإمام أحمد : عن بد الله بن مسعود قال : سُئل رسول الله   : أي الذنب أكبر ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قال : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " . قال : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك "  .
وردت كلمة نفس في سورة الشعراء :
قال تعالى (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) 3 . أي : قاتل نفسك . ومهلك نفسك شفقة عليهم على عدم إيمانهم .
وردت كلمة نفس في سورة النمل :
قال تعالى : (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) 14 ، ( وجحدوا بها ) أي : في ظاهر أمرهم ( واستيقنتها أنفسهم ) أي : عملوا في أنفسهم أنها حق من عند الله ، ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها ( ظلما وعلوا ) أي : ظلما من أنفسهم ، سجية ملعونة ، واستكبارا عن اتباع الحق ، فانظر يا محمد كيف كانت عاقبة أمرهم ، في هلاك الله إياهم ، وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة . وفحوى الخطاب يقول : احذروا أيها المكذبون بمحمد ، الجاحدون لما جاء به من ربه ، أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى ، فإن محمدا   أشرف وأعظم من موسى ، وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى ، بما أتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله ، وما سبقه من البشارات من الأنبياء به وأخذ المواثيق له ، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام  .
قال تعالى : (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) 40 ،كقوله : ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ) فصلت : 46 . وكقوله : ( من عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ) الروم : 44 .
قال تعالى : (قالت ربِّ إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله ربِّ العالمين) 44 ، فلما دخلت بلقيس على سيدنا سليمان ، دعاها إلى عبادة الله جل جلاله وعاتبها في عبادتها الشمس من دون الله ، فقالت بقول الزنادقة ، فوقع سليمان ساجدا إعظاما لما قالت ، وسجد معه الناس ، فسقط في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع ، فلما رفع سليمان رأسه قال : ويحك ! ماذا قلت ؟ قالت: أنسيت ما قلت ؟ فقالت : (ربِّ إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله ربِّ العالمين) ، فأسلمت وحسن إسلامها  .
قال تعالى : (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ) آية : 92 . أي : لي أسوة بالرسل الين أنذروا قومهم ، وقاموا بما عليهم من أداء الرسالة إليهم ، وخلصوا ممن عهدتهم ، وحساب أممهم على الله تعالى  ، كقوله تعالى : ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) وقال : ( إنما أنا نذير والله على كل شيء وكيل ) هود ، آية : 12 .
كلمة نفس في سورة القصص :
قال تعالى:(قال ربِّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ) آية : 16 ، عندما قتل سيدنا موسى القبطي ، الذي كان سببا في خروجه من الديار المصرية إلى بلاد مدين ، فدخل المدينة ما بين المغرب والعشاء فوجد فيها رجلان يتضاربان ويتنازعان واحد منهم إسرائيلي وآخر قبطي فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام فوجد موسى فرصة ، وهي غفلة الناس ، فعمد إلى القبطي فوكزه ، أي : طعنه بِجُمْعِ كفه ، وكان فيه حتفه فمات (قال) موسى : ( هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌّ مضلٌّ * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي ) أي : بما جعلت لي من الجاه والعز والنعمة فلن أكون معينا للكافرين بك ، المخالفين لأمرك  .
 (أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس) 19 ،قال تعالى مخبرا عن موسى عليه السلام لما قتل القبطي أنه أصبح في المدينة خائفا من معرة ما فعل ، يلتفت ويتوقع ما يكون من الأمر ، فمر في بعض الطريق ، فإذا الذي استنصره بالأمس على ذلك القبطي يقاتل آخر ، فلما مر عليه موسى ، استصرخه على الآخر فقال له موسى : ( إنك لغويٌّ مبينٌ ) أي : ظاهر الغواية كثير الشر . ثم عزم موسى على البطش بذلك القبطي ، فاعتقد الإسرائيلي لخوره وضعفه وذلته أن موسى إنما يريد قصده لما سمعه يقول ذلك فقال يدفع عن نفسه : ( يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ) وذلك لأنه لم يعلم به إلا هو وموسى عليه السلام ، لما سمعها ذلك القبطي لقفها من فمه، ثم ذهب بها إلى باب فرعون وألقاها عنده، فعلم فرعون بذلك ، فاشتد حنقه ، وعزم على قتل موسى ، فطلبوه فبعثوا وراءه ليحضروه لذلك  .
قال تعالى : (قال ربِّ إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون) 33 . بعد هروب سيدنا موسى من مصر واستقر عند سيدنا شعيب وتزوج ابنته وقضى الأجل الذي اتفقا عليه برعية الأغنام مقابل الزواج ، أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون ، الذي إنما خرج من ديار مصر فرارا منه وخوفا من سطوته ، ( قال رب إني قتلت منهم نفسا ) يعني القبطي ، ( فأخاف أن يقتلون ) أي : إذا رأوني . ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا) وذلك أن موسى عليه السلام كان لسانه لثغة، بسبب تناول الجمرة ، حين خير بينها وبين التمرة أو الدرة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه ، فحصل فيه شدة في التعبير ؛ ولهذا قال : ( واحلل عقدة من لساني *يفقهوا أمري *واجعل لي وزيرا من أهلي *هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري ) طه : 27 ـ 32 . أي يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم ، وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد  .
كلمة نفس في سورة العنكبوت :
قال تعالى : (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ) آية :  6، كقوله تعالى : ( من عمل صالحا فلنفسه ) فصلت : 46 . أي : من عمل صالحا فإنما يعود نفع عمله على نفسه ، فإن الله تعالى غني عن أفعال العباد ، ولو كانوا كلهم على أتقى قلب رجل منهم ، ما زاد ذلك في ملكه شيئا  ؛ ولهذا قال : (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله غني عن العالمين ) .
قال تعالى : (وما كان الله يظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) 40 ، أي : إنما فعل الله تعالى بالأقوام السابقة المكذبة للرسل وكيف أبادهم وتنوع في عذابهم ، وأخذهم بالانتقام منهم ، وكانت عقوبة كل أمة بما يناسبها ؛ فمنهم من أرسل الله تعالى عليهم حاصبا وهم عاد ، وذلك أنهم قالوا : من أشد منا قوة ؟ . ومنهم من أخذته الصيحة ، وهم ثمود ، فقامت عليه الحجة من تلك الناقة التي انفلقت عنها الصخرة ، مثل ما سألوه سواء بسواء ، ومع هذا ما آمنوا بل استمروا على طغيانهم ، وتهددوا نبي الله صالح ومن آمن معه وتوعدوهم بأن يخرجوهم ويرجموهم ، فجاءتهم صيحة أخمدت الأصوات منهم والحركات ، ومنهم من خسف به الأرض ، وهو قارون الذي طغى وبغى ، وعصا الرب الأعلى ، ومشى في الأرض مرحا ، فهو يتجلجل داخل الأرض إلى يوم القيامة . ومنهم من أغرقهم الله ، وهو فرعون ووزيره هامان وجنودهما عن آخرهم ، فالله تعالى لم يظلمهم بما فعل بهم ، إنما فعل ذلك بهم جزاء وفاقا بما كسبت أيديهم  .
قال تعالى : (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون) 57 . لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها ، خرجوا مهاجرين إلى الحبشة ، ليأمنوا على دينهم هناك ، فوجدوا هناك خير المنزلين ، أصحمة النجاشي ملك الحبشة رحمه الله تعالى فآواهم وأيدهم بنصره ، وجعلهم سيوما ببلاده أي لا أحد يتعرض لهم . ثم بعد ذلك هاجر رسول الله   والصحابة الباقون إلى المدينة يثرب المطهرة . ثم قال تعالى : (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون) أي : أينما كنتم يدرككم الموت ، فكونوا في طاعة الله وحيث أمركم الله ، فهو خير لكم ، فإن الموت لا بد منه ، ولا محيد عنه ، ثم إلى الله المرجع والمآب ، فمن كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء ، ووفاه أتم الثواب  .
كلمة نفس في سورة الروم :
قال تعالى : (أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمَّى)  8 ، يقول تعالى منبها على التفكر في مخلوقاته ، الدالة على وجوده وانفراده بخلقها ، لأنه لا إله غيره ولا رب سواه، فقال : ( أولم يتفكروا في أنفسهم ) يعني النظر والتدبر والتأمل لخلق الأشياء من العلم العلوي والسفلي ، وما بينهما من المخلوقات المتنوعة ، والأجناس المختلفة ، فيعلموا أنها ما خلقت سدى ولا باطلا ، بل بالحق ، وأنها مؤجلة إلى أجل مسمى ، وهو يوم القيامة  .
قال تعالى : (فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)  9 ، كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم ـ أيها المبعوث إليهم محمد   ـ  وأكثر أموالا وأولادا ، وما أوتيتم معشار ما أوتوا ، ومُكّنوا في الدنيا تمكينا لم تبلغوا إليه ، وعمروا فيها أعمارا طوالا ، فعمروها أكثر منكم ، واستغلوها أكثر من استغلالكم ، ومع هذا فلما جاءتهم رسلهم بالبينات وفرحوا بما أوتوا ، أخذهم الله بذنوبهم ، وما كان لهم من الله من واق ، ولا حالت أموالهم ولا أولادهم بينهم وبين بأس الله ، ولا دفعوا عنهم مثقال ذرة ، وما كان الله ليظلمهم فيما أحل بهم من العذاب والنكال ، ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) أي : وإنما أوتوا من أنفسهم حيث كذبوا بآيات الله ، واستهزؤوا بها ، وما ذلك إلا بسبب ذنوبهم السالفة وتكذيبهم المتقدم  .
قال تعالى : (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )21 ، أي : خلق لكم من جنسكم إناثا يكنّ لكم أزواجا ، ( لتسكنوا إليها ) ، كما قال تعالى : ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) الأعراف : 189 . يعني بذلك حواء ، ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكورا وجعل إناثهم من جنس آخر إما من جان أو حيوان ، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج ، بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس . ثم من تمام رحمته ببني آدم جعل أزواجهم من جنسهم ، وجعل بينهم وبينهن مودة : وهي المحبة ، ورحمة : وهي الرأفة ، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها ، أو لرحمة بها ، بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق ، أو للألفة بينهما  ، وغير ذلك .
قال تعالى : (ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) 28 ، هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين به ، العابدين معه غيره ، الجاعلين له شركاء وهم مع ذلك معترفون أن شركاءه من الأصنام والأنداد عبيد له ، ملك له ، كما كانوا في تلبيتهم يقولون : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . فقال تعالى : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم ) أي : تشهدونه وتفهمونه من أنفسكم ، ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء ) أي : يرتضي أحدكم أن يكون عبده شريكا له في ماله ، فهو وهو فيه على السواء ؟ ( تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) أي : تخافون أن يقاسموكم الأموال . قال أبو مِجْلَز : إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك ، وليس له ذاك ، كذلك الله لا شريك له . والمعنى إن أحدكم يأنف ذلك ، فكيف تجعلون لله الأنداد من خلقه  ؟ .
قال تعالى : (من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون) 44 . يقول تعالى آمرا عباده بالمبادرة لإلى الاستقامة في طاعته ، والمبادرة في الخيرات ، قبل أن يأتي يوم القيامة ، إذا أراد كونه فلا راد له فيومئذ يتفرقون ، (ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ) ففريق في الجنة ، (من كفر فعليه كفره ) وفريق في السعير  .
كلمة نفس في سورة لقمان :
قال تعالى : (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه) 12، أي : إنما يعود نفع ذلك الشكر وثوابه على الشاكرين  ، لقوله تعالى : ( ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ) الروم : 44 .
قال تعالى : (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) 28 ، أي : ما خَلْقُ جميع الناس وبعثهم يوم المعاد بالنسبة إلى قدرته إلا كنسبة خلق نفس واحدة ، الجميع هين عليه ، ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) يس : 82 . ( وما أمْرُنا إلا واحدة كلمح البصر ) القمر : 50 . أي : لا يأمر بالشيء إلا مرة واحدة ، فيكون ذلك الشيء لا يحتاج إلى تكريره وتوكيده  .
قال تعالى : (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت) 34 . هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها ، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها ؛ فعلم وقت الساعة لا يلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب ، ( لا يجليها لوقتها إلا هو ) الأعراف : 187 . وكذلك إنزال الغيث لا يلمه إلا الله ، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك ومن يشاء الله من خلقه . وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه ، ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى ، أو شقيا أو سعيدا علم الملائكة الموكلون بذلك ؛ ومن شاء الله من خلقه . وكذا لا تدري نفس ماذا تكسب غدا في دنياها وأخراها ، ( وما تدري نفس بأي أرض تموت ) في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان ، لا علم لأحد بذلك  .
كلمة نفس في سورة السجدة :
قال تعالى : ( ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجِنَّةِ والناس أجمعين ) 13 . كما قال تعالى : ( ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا ) يونس : 99 .
قال تعالى : (فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا جزاء بما كانوا يعلمون) 17 . أي : فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم من الجنات من النعيم المقيم ، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد ، لَما أخفوا أعمالهم كذلك أخفى لهم الثواب جزاء وفاقا ؛ فإن الجزاء من جنس العمل  . قال الحسن البصري : أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر . رواه ابن أبي حاتم .
قال تعالى : ( أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون )27 . يبين تعالى لطفه بخلقه ، وإحسانه إليهم في إرساله الماء إما من السماء أو من السيح ، وهو : ما تحمله الأنهار ويتحدر من الجبال إلى الأراضي المحتاجة إليه في أوقاته ؛ ولهذا قال تعالى : ( إلى الأرض الجزر ) وهي التي لا نبات فيها ، كما قال تعالى : ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) الكهف : 8 . أي يبسا لا تنبت شيئا  .
كلمة نفس في سورة الأحزاب :
قال تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) 6 . قد علم الله تعالى شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته ، ونصحه لهم ، فجعله أولى بهم من أنفسهم ، وحكمه فيهم مقدما على اختيارهم لأنفسهم .
قال تعالى : (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي ما في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه )37 ، يقول تعالى مخبرا عن نبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، أنه قال لمولاه زيد بن حارثة وهو الذي أنعم الله عليه ، أي : بالإسلام ومتابعة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام : ( وأنعمت عليه ) أي : بالعتق من الرق ، وكان سيدا كبير الشأن جليل القدر ، حبيبا إلى النبي   ، يقال له : الحِبّ ، ويقال لابنه أسامة : الحِبّ بن الحِبّ . قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ما بعثه رسول الله   في سرية إلا أمره عليهم ، ولو عاش بعده لاستخلفه . رواه الإمام أحمد عن سعيد بن الوراق ومحمد بن عبيد عن وائل بن داود ، عن عبدا لله البهي عنها . وقال البزار : حدثنا خالد بن يوسف ، حدثنا أبو عوانة "ح" ، وحدثنا محمد بن مَعْمَر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو عوانة ، أخبرني عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه قال : حدثني أسامة بن زيد قال : كنت في المسجد ، فأتاني العباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالا : يا أسامة ، استأذن لنا على رسول الله   . قال : فأتيت رسول الله فأخبرته ، فقلت : علي والعباس يستأذنان . فقال   : " أتدري ما حاجتهما ؟ " قلت : لا يا رسول الله . قال    : " لكني أدري " ، قال : فأذن لهما . قالا : يا رسول الله جئناك لتخبرنا : أي أهلك أحب إليك ؟ قال   : " أحب أهلي إلي فاطمة بنت محمد " ، قالا : يا رسول الله ، ما نسألك عن فاطمة . قال   : " فأسامة بن زيد بن حارثة ، الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ". وكان رسول الله   زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية ـ وأمها أميمة بنت عبد المطلب ـ وأصدقها عشرة دنانير ، وستين درهما ، وخمارا ومِلحَفَة ، ودرعا ، وخمسين مُدَّا من طعام ، وعشرة أمداد من تمر . قاله مقاتل بن حيان ، فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها ، ثم وقع بينهما ، فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله   فجعل رسول الله   يقول له : " امسك عليك زوجك ، واتق الله "  ، قال الله تعالى : (وتخفي ما في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ).
قال تعالى : (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) 50 . أي : ويحل لك ـ أيها النبي ـ المرأة المؤمنة إن وهبت نفسها لك أن تتزوجها بغير مهر إن شئت ذلك . وهذه الآية توالى فيها شرطان ، كقوله تعالى إخبارا عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه : ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) هود : 34 . وكقول موسى عليه السلام : ( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ) يونس : 84 . هاهنا : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها )  .
كلمة نفس في سورة سبأ :
قال تعالى : (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق) 19 ، أي : بكفرهم ، وبطروا نعمة الأمن والأمان التي وهبهما الله لهم ، فجعلناهم حديثا للناس ، وسمرا يتحدثون به من خبرهم ، وكيف مكر الله بهم ، وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء تفرقوا في البلاد هاهنا وهاهنا ؛ ولهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا : " تفرقوا أيدي سبأ " " وأيادي سبأ " و " تفرقوا شَذَرَ مَذَرَ "  .
قال تعالى : (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي) 50 .أي : الخير كله من عند الله ، وفيما أنزل الله جل جلاله من الوحي والحق المبين فيه الهدى والبيان والرشاد ، ومن ضل فإنما يضل من تلقاء نفسه ، كما قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ لما سئل عن تلك المسألة المفوضة : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابا فمن الله ، ومن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه  .
كلمة نفس في سورة فاطر :
قال تعالى : (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) 8 ، أي لا تأسف على ذلك فإن الله حكيم في قدره ، إنما يضل من يضل ويهدي من يهدي ، لما له في ذلك من الحجة البالغة ، والعلم التام  .
قال تعالى : ( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ) 18 . أي : ومن عمل صالحا فإنما يعود نفعه على نفسه .
قال تعالى : (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) 32 . يقول تعالى : ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم ، المصدق لما بين يديه من الكتب ، الذين اصطفينا من عبادنا ، وهم هذه الأمة ، ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع ، فقال : ( فمنهم ظالم لنفسه )، وهو المفرط في فعل بعض الواجبات ، المرتكب لبعض المحرمات . ( ومنهم مقتصد ) وهو : المؤدي للواجبات ، التارك للمحرمات ، وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات.(ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) وهو: الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات  .
كلمة نفس في سورة يس :
قال تعالى : ( سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ) 36 . سبحان الذي خلق الأزواج كلها من زروع وثمار ونبات . ( ومن أنفسهم ) فجعلهم ذكرا وأنثى .
قال تعالى : (فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون) 54 . أي : من عملها   ، ( ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ) .
كلمة نفس في سورة الصافات :
قال تعالى : ( وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ) 113 .
كلمة نفس في سورة الزمر :
قال تعالى : (خلقناكم من نفس واحدة ثمَّ جعل منها زوجها) 6 ،أي : خلقكم مع اختلاف أجناسكم وأصنافكم وألسنتكم وألوانكم من نفس واحدة ، هو آدم عليه السلام ( ثم جعل منها زوجها ) ، وهي حواء عليها السلام  .
قال تعالى :  (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة)  15 ، أي : إنما الخاسر كل الخسران ( الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) أي : تفارقوا فلا لقاء لهم أبدا ، سواء ذهب أهلوهم إلى الجنة وقد ذهبوا هم إلى النار، أو أن الجميع اسكنوا النار ، ولكن لا اجتماع لهم ولا سرور  .
قال تعالى : ( إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل ) 41 . يقول تعالى مخاطبا رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إنا أنزلنا عليك الكتاب ) يعني القرآن . (للناس بالحق ) أي : لجميع الخلق من الإنس والجن لتنذرهم به ، (فمن اهتدى فلنفسه ) أي : فإنما يعود نفع ذلك على نفسه ، (ومن ضل فإنما يضل عليها ) أي : إنما يرجع وبال ذلك على نفسه ، (وما أنت عليهم بوكيل ) أي : بموكل أن يهتدوا ، ( إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ) هود : 12 . ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) الرعد : 40  .
قال تعالى : (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) 42 ، قال تعالى مخبرا عن نفسه المتصرف في الوجود بما يشاء ، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى ، بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان ، والوفاة الصغرى في المنام :ما قال تعالى : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون * وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ) الأنعام : 60 ، 61 .فذكر الوفاتين الصغرى ثم الكبرى ، وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثم الصغرى  ولهذا قال تبرك وتعالى : (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) ، فيه دلالة على أنها تجتمع في الملأ فيمسك أنفس الأموات ، ويرسل أنفس الأحياء  .
قال تعالى : (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) 53 ،هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة ، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها ، وإن كانت مهما كانت ، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر . ولا يصح حمل هذه على غير توبة ؛ لأن الشرك لا يُغفر لمن لم يتب منه   . والمراد أن اله تعالى يغفر جميع الذنوب مع التوبة ، ولا يقنط عبد من رحمة الله ، وإن عظمت ذنوبه وكثرت ؛ فإن باب التوبة والرحمة واسع ، قال تعالى ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة من عباده ) التوبة : 104 .
قال تعالى : (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت من الساخرين)56 ، أي : يوم القيامة يتحسر المجرم في التوبة والإنابة ، ويود لو كان من المحسنين المخلصين المطيعين لله جل جلاله  . فهنا تدل على الإنسان .
قال تعالى : ( ووفيت كلُّ نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ) 70 . أي : من خير أو شر  ، قال الله تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظْلَمُ نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) الأنبياء : 47 . وقال الله تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) النساء : 40 .
كلمة نفس في سورة غافر :
قال تعالى : (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون) 10 ، يقول تعالى مخبرا عن الكفار : أنهم ينادون يوم القيامة وهم في غَمَرات النيران يتلظون ، ولذلك عندما باشروا من عذاب الله تعالى ما لا قِبَل لأحد به ، فمقتوا عند ذلك أنفسهم وأبغضوها غاية البغض ، بسبب ما أسلفوا من الأعمال السيئة ، التي كانت سبب دخولهم إلى النار، فأخبرتهم الملائكة عند ذلك إخبارا عاليا ، نادوهم نداء بأن مقت الله لهم في الدنيا حين كان يُعرض عليهم الإيمان ، فيكفرون ، أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم اليوم في هذه الحالة  .
قال تعالى : (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) 17 . يُخبر تعالى عن عدله في حكمه بين خلقه ، إنه لا يظلم مثقال ذرة من خير ولا من شر ، بل يجزي بالحسنة عشر أمثالها ، وبالسيئة واحدة  ؛ قال تعالى : ( لا ظلم اليوم ) .
كلمة نفس في سورة فصلت :
قال تعالى : (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون) 31 ، أي : في الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس ، وتقر به العيون ، ومهما طلبتم وجدتم ، وحضر بين أيديكم ، كما اخترتم  .
قال تعالى : (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) 46، أي : إنما يعود نفع ذلك على نفسه ، ( ومن أساء فعليها ) أي : إنما يرجع وبال ذلك عليه ، والله تعالى لا يعاقب أحدا إلا بذنبه ، ولا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، وإرسال الرسول إليه  .
قال تعالى : (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم الحق) 53 . أي : سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقا منزلا من عند الله تعالى على رسوله   بدلائل خارجية ( في الآفاق ) من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان  .
كلمة نفس في سورة الشورى :
قال تعالى : (فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذْرؤكم فيه) 11، (فاطر السماوات والأرض) أي: خلقهما وما بينهما، ( جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) أي : من جنسكم وشكلكم ، منة عليكم وتفضلا جعل من جنسكم ذكرا وأنثى ، ( ومن الأنعام أزواجا ) أي : وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج . ( يذرؤكم فيه ) أي : يخلقكم فيه ، أي : في ذلك الخلق على هذه الصفة لا يزال يذرؤكم فيه ذكورا وإناثا ، خلقا من بعد خلق ، جيلا بعد جيل ، ونسلا بعد نسل ، من الناس ومن الأنعام   .
قال تعالى : (وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) 45 . ( وقال الذين آمنوا ) أي : يقولون يوم القيامة ، ( إن الخاسرين ) أي : الخسار الأكبر( الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) أي : ذهب بهم إلى النار ، فعدموا لذتهم في دار الأبد ، وخسروا أنفسهم ، وفرِّق بينهم وبين أحبابهم وأصحابهم وأهاليهم وقراباتهم ، وما لهم من أحد ينقذهم مما هم فيه من العذاب   .
كلمة نفس في سورة الزخرف :
قال تعالى : ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) 71 . ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب ) أي : زبادي آنية الطعام (وأكواب ) وهي آنية الشراب ، أي : من ذهب لا خراطيم ولا عُرَى ، (وفيها ما تشتهيه الأنفس ) ـ وقرأ بعضهم : " تشتهيه الأنفس " ـ (وتلذ الأعين) أي : طيب الطعم والريح وحسن المنظر  .
كلمة نفس في سورة الجاثية :
قال تعالى : (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ) 15 ، أي : إذا صفحوا عنهم في الدنيا ، فإن الله مجازيهم بأعمالهم السيئة في الآخرة ، فتعودون إليه يوم القيامة فتعرضون عليه ، فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها  ، والله تعالى أعلم .
قال تعالى : (وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) 22 . ( بالحق ) أي : بالعدل ، وكل إنسان يُجازى على حسب أفعاله إن كانت خيرا فالجزاء له خير ، وإن كانت شرَّاً فالجزاء له بالشر ، والعقاب من جنس العمل .
كلمة نفس في سورة محمد :
قال تعالى : (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) 38 . فالذي يبخل ينقص نفسه من الأجر ، وإنما يعود وبال ذلك عليه .
كلمة نفس في سورة الفتح :
قال تعالى : (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه )10 .الحديث عن بيعة الرضوان ، كانت تحت شجرة سَمُر بالحديبية ، وكان الصحابة الذين بايعوا رسول الله   يومئذ أربعمائة ، ( ومن أوفى بما عَاهَد عليه فسيؤتيه أجرا عظيما ) أي : ثوابا جزيلا ، والذي نكث البيعة فإنما يعود وبال ذلك على الناكث والله غني عنه  ، لآن ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ).
كلمة نفس في سورة الحجرات :
قال تعالى : (ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب) 11 ، أي : لا تلمزوا الناس ، يلمز بعضكم بعضا . والهمَّاز واللماز من الرجال مذموم ملعون ، كما قال تعالى : ( ويل لكلِّ هُمزة لُمزة ) الهمزة ، آية : 1 .  فالهمز بالفعل واللمز بالقول كما قال : ( همَّاز مشَّاء بنميم ) القلم ، آية : 11. أي : يحتقر الناس ويهمزهم طاعنا عليهم ، ويمشي بينهم بالنميمة وهي : اللمز بالمقال   ؛ ولهذا قال ها هنا ( ولا تلمزوا أنفسكم ) ، كما قال : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) النساء ، آية : 29 . أي : لا يقتل بعضكم بعضا .
قال تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ) 15 . ( إنما المؤمنون ) أي : إنما المؤمنون الكُمَّل ( الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ) أي : لم يشكوا ولا تزلزلوا ، بل ثبتوا على حال واحدة ، هي التصديق المحض ( وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ) أي : بذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه ، لا كبعض الأعراب الذين ليس معهم من الإيمان إلا الكلمة الظاهرة  .
كلمة نفس في سورة ق :
قال تعالى : (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) 16 ،  الإشارة إلى ضمير الإنسان حيث أكد الله تعالى أنّه خالق الإنسان ، ويعلم ضميره ووساوس نفسه ، وما دام الله U خلقنا فهو أعلم بطبيعة نفوسنا , ودوا خل أعمالنا وجوهر ذواتنا، وعلمه محيط بجميع أمورنا حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير أو الشر . وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله   أنه قال:"إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل" .
قال تعالى : ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) ق ، آية : 21 ، هنا بمعنى: "الإنسان كلّه" بما فيه من جسد ورح ونفس، " روي  من حديث إسماعيل بن أبي خالد بن رافع ـ مولى ثقيف ـ قال سمعت عثمان بن عفان يخطب فقرأ الآية ، فقال : سائق يسوقها إلى الله  وشاهد يشهد عليها بما عملت . وكذا قال مجاهد وقتادة وابن زيد . وقال مُطرّف ، عن أبي جعفر ـ مولى أشجع ـ عن أبي هريرة : السائق : الملك ، والشهيد : العمل وكذا قال الضحاك والسَّدي ، وقال العوفي عن ابن عباس : السائق : من الملائكة ، والشهيد الإنسان نفسه يشهد على نفسه " .
كلمة نفس في سورة الذَّاريات :
قال تعالى : (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) 21 . قال قتادة : من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة . حيث وضع كل عضو من أعضاء جسم الإنسان في المحل الذي هو محتاج إليه فيه  .
كلمة نفس في سورة النجم :
قال تعالى : (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس) 23 ، أي : ليس لها مستند إلا حسن الظن بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم ، وإلا حظ نفوسهم في رياستهم وتعظيم آبائهم الأقدمين  .
قال تعالى : (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) 32 . ( فلا تزكوا أنفسكم ) أي : لا تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم  .
كلمة نفس في سورة الحديد :
قال تعالى : ( ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور ) 14 .
قال تعالى (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) 22 . يخبر الله تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية ، فقال : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم ) أي: في الآفاق وفي أنفسكم ، كل مصيبة بين السماء والأرض ، ففي كتاب الله قبل أن يبرأ النسمة ، أما في قول الله تعالى : ( ولا في أنفسكم ) الأوجاع والأمراض  .
كلمة نفس في سورة  المجادلة :
قال تعالى: (وإذا جاءوك وحيوك بما لم يحيك به الله وسيقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها) 8 .أي: يفعلون هذا ، ويقولون ما يحرفون من الكلام وإيهام السلام، وإنما هو شتم في الباطن، ومع هذا يقولون في أنفسهم: لو كان هذا نبيَّا لعذبنا الله بما نقول له في الباطن، لأن الله يعلم ما نسره، فلو كان هذا نبيّا حقا لأوشك أن يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا  ، فقال الله تعالى : ( حسبهم جهنم ) .
كلمة نفس في سورة الحشر :
قال تعالى : (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) 9 ، يعني : حاجة ، أي : يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم ، ويبدؤون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك ، ومن سلم من الشح فقد أفلح وأنجح  .
قال تعالى : (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) 18 . قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن المنذر بن جرير ، عن أبيه قال : كنا عند رسول الله   في صدر النهار ، قال : فجاءه قوم حفاة عراه مُجْتَبي النمار ـ أو : العباء ـ مُتَقَلِّدي السيوف عامتهم من مُضر ، بل كلهم من مُضر ، فتغير وجه الرسول   لما رأى بهم من الفاقة، قال : فدخل ثم خرج، وأمر بلالا فأذن وأقام الصلاة ، فصلى وخطب ، فقال : ( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) إلى آخر الآية ( إنَّ الله كان عليكم رقيبا ) النساء : 1 . وقرأ الآية التي في الحشر : ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) ،" تصدَّق رجل من دينار ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بُرِّه ، من صاع تمره ـ حتى قال ـ : ولو بشق تمرة " . قال فجاء رجل من الأنصار بصُرة كادت كفه تعجز عنها ، بل عجزت ، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت رسول الله   يتهلل وجهه كأنه مُذهبة ، فقال رسول الله   : " من سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " . انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبة ، وإسناده . فقوله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ) أمر بتقواه ، وهي تشمل فعل ما به أمر ، وترك ما عنه زجر . وقوله تعالى : ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) أي : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم  .
قال تعالى : ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أوْلئك هم الفاسقون ) 19 .
كلمة نفس في سورة الصف :
قال تعالى : (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون بأموالك وأنفسكم ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون) 11 ، أن الصحابة رضوان الله عليهم أرادوا أرادوا أن يسألوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أحب الأعمال إلى الله تعالى ليفعلوه ، فأنزل الله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم )  ثم فسَّر هذه التجارة العظيمة التي لا تبور ، التي هي محصلة للمقصود ومزيلة للمحذور ، أن تؤمنوا بالله ورسوله وتجاهدون بأموالكم وأنفسكم ، خير من تجارة الدنيا والكد لها والتصدي لها وحدها  .
كلمة نفس في سورة المنافقون :
قال تعالى : (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) 11. أي : لا ينظر أحدا بعد حلول أجله ، وهو أعلم وأخبر بمن يكون صادقا في قوله وسؤاله ممن لو ردَّ لعاد إلى شر مما كان عليه   ، ولهذا قال تعالى : ( والله خبير بما تعملون ) .
كلمة نفس في سورة التغابن :
قال تعالى :(فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) 16 . ( فاتقوا الله ما استطعتم ) أي : جهدكم وطاقتكم ، ( واسمعوا وأطيعوا ) أي : كونوا منقادين لما يأمرك مالهن به ورسوله ، ولا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة ، ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله ، ولا تتخلفوا عما به أمرتم ، ولا تركبوا ما عنه زجرتم ( وأنفقوا خيرا لأنفسكم ) أي : وابذلوا مما رزقكم الله على الأقارب والفقراء والمساكين وذوي الحاجات ، وأحسنوا إلى خلق الله كما أحسن إليكم ، يكن خيرا لكم في الدنيا والآخرة ، وإن لا تفعلوا يكن شرَّا لكم في الدنيا والآخرة  .
كلمة نفس في سورة الطلاق :
قال تعالى : (ومن يتعدَّ حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) 1 ، أي : يخرج عنها ويتجاوزها إلى غيرها ولا يأتمر بها فقد ظلم نفسه بفعل ذلك  .
قال تعالى : (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) 7 . كقوله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) البقرة : 286 .
كلمة نفس في سورة التحريم :
قال تعالى : (يأيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ) آية : 6. قال سفيان الثوري ، عن منصور عن رجل عن علي كرم الله وجهه يقول : أدبوهم وعلموهم ، وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس يقول : اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومروا أهليكم بالذكر ، ينجيكم الله من النار   .
كلمة نفس في سورة المزمل :
قال تعالى: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ) آية :20 . أي : جميع ما تقدموه بين أيديكم فهو خير لكم حاصل ، وهو خير مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا  .
كلمة نفس في سورة المدثر :
قال تعالى : ( كل نفس بما كسبت رهينة ) 38 .
كلمة نفس في سورة القيامة :
قال تعالى : (ولا أقسم بالنفس اللوامة )2 ، عن الحسن البصري : إن المؤمن ـ والله ـ ما نراه إلا يلوم نفسه : ما أردت بكلمتي ؟ ما أردت بأكلتي ؟ ما أردت بحيث نفسي ؟ وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاتب نفسه . وقال جُوَيبر : بلغنا عن الحسن أنه قال : ليس أحد من أهل السماوات والأرضين إلا يلوم نفسه يوم القيامة .. والأشبه بظاهر التنزيل إنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر ، وتندم على ما فات  .
قال تعالى : (بل الإنسان على نفسه بصيرة )14 .قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول : سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه ، وقال قتادة : شاهد على نفسه  .
كلمة نفس في سورة النازعات :
قال تعالى : (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) 40 .أي : خاف القيام بين يدي الله تعالى وخاف حكم الله فيه ، ونهى نفسه عن هواها ، وردها إلى طاعة مولاها  .
كلمة نفس في سورة التكوير :
قال تعالى : (وإذا النفوس زوجت) 7 ، أي : جمع كل شكل إلى نظيره  ، كقوله تعالى : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) الصافات ، آية : 22 .
قال تعالى : (علمت نفس ما أحضرت) 14 ، هذا هو الجواب عن الآيات السابقات لها ، أي : إذا وقعت هذه الأمور اللواتي حدثن في الآيات السابقات ، حينئذ تعلم كل نفس ما عملت وأحضر ذلك لها  .
قال تعالى : (والصبح إذا تنفس) 18 .أي : أضاء .
كلمة نفس في سورة الانفطار :
قال تعالى : (علمت نفس ما قدمت وأخرت ) آية : 5 ،
 قال تعالى : ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله )19 . أي : لا يقدر أحد على نفع أحد ولا خلاصه مما هو فيه إلا بإذن الله لمن يشاء ويرضى .ونذكر الحديث : " يا بني هاشم ، أنقذوا أنفسكم من النار ، لا أملك لكم من الله شيئا "   .
كلمة نفس في سورة الطارق :
قال تعالى : (إن كل نفس لما عليها حافظ) 4 . أي : كل نفس عليها من الله حافظ يحرسها من الآفات  ، كما قال تعالى : ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) الرعد 11
كلمة نفس في سورة الفجر :
قال تعالى : (يأيتها النفس المطمئنة ) 27 .النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق   .
كلمة نفس في سورة الشمس :
قال تعالى : (ونفس وما سواها) 7 . أي : خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة ، كما قال تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) الروم : 30 ، وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء " . أخرجاه من رواية أبي هريرة . وفي صحيح مسلم من رواية عياض بن حمار المجاشعي عن رسول الله   قال " يقول الله جل جلاله: إني خلقت عبادي حُنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم "  .
السور التي لا توجد فيها كلمة نفس :
سورة الحجر ، مريم ، سورة الحج ، سورة ص ، الدخان ، الأحقاف ، الطور ، القمر ، الرحمن ، الواقعة ، سورة الممتحنة ، سورة الجمعة ، الملك ، الفلم ، الحاقة ، المعارج ، نوح ، الجن ،  سورة الإنسان ، المرسلات ، النبأ ، سورة عبس ، سورة المطففين :، الانشقاق ، البروج ، سورة الأعلى ، الغاشية ، سورة البلد، سورة الليل، الضحى ، الشرح ، التين ، العلق ، القدر ، البينة ، الزلزلة ، العاديات ، القارعة ، التكاثر ، العصر ، الهُمزة ، الفيل ، قريش ، الماعون ، الكوثر ، الكافرون ، النصر ، المسد ، الإخلاص ، الفلق ، الناس .
الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء :
قال تعالى : (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ). الله U هو المستقل بخلق الأشياء كلها ، ومنها الإنسان ،ومدبرها ومقدرها وحده ، وهذا من علم الله U الخاص به ، ومع هذا فإنه أمرنا بالتفكر فيما خلق .وآيات كثْر تحث على التفكر ، وقلّما سورة من سور القرآن الكريم تخلو من ذلك .
قال ابن مالك ـ رحمة الله عليه ـ في مقدمة كتاب التسهيل : "وإذا كانت العلوم منحا إلهية ، ومواهب اختصاصية ، فغير مستبعد أن يدّخر للمتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين ".
تكوين النفس في الإنسان :
قال تعالى :  )هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا  ) . وقال تعالى : ( فلينظر الإنسان ممّ خلق *خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب  ). وقال تعالى : ( ألم نخلقكم من ماء مهين  ) . والماء المهين بقدر الله U وقدرته تحول إلى نطفة وهي في الأصل أرضية ترابية ، قال تعالى :( أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثمّ سوّاك رجلا  ) . ثمّ تحولت النطفة بقدرة اللهU   وقدره إلى علقة ، ثمّ إلى مضغة ، إلى عظام ، وكسا الله العظام لحما ، ثمّ خلقا آخر . هذا الجسد وهو العنصر الأرضي السفلي .
الله تعالى يأمر الملك المكلف بنفث الرّوح ـ التي هي العنصر السماوي العلوي ، وقد حجب الله U علْمها وكنْهها عن البشر ـ  في المضغة الأرضية "الجسد". كما قال سعيد بن المسيب رضي الله عنه : تدخل الروح في العشرة أيام بعد أربعة أشهر الحمل ، وعند دخول " الروح " السماوية العلوية في الجسد الأرضي الدّوني ، تتكون بقدرة الله سبحانه وتعالى " النفس " وهي الحاجز أو البرزخ بين الروح السّماوية والجسد الأرضي ، وهذه النفس مزيج من أجزاء عنْصر الرّوح وأجزاء من عنصر الجسد ، وهذا المزيج يعطي النفس صفة خاصة تتميّز بها عن الروح وعن الجسد . فتمثلت في النفس صفات علوية سماوية ، مثل : معرفة الخالق U، والرحمة ، والشفقة ، والحب ، والخير، والصدق والأمانة ، والشجاعة والإقدام ، وحب الجنَّة وهذه من متطلبات الروح واحتياجاتها .. وأما الصفات الدونية الأرضية ، مثل : الشدّة ، والغلظة ، والكره أو البغض ، والكذب ، والخيانة ، والنفاق ، والجبن والتهوُّر، وحب الأرض وهذه من متطلبات الجسد ، فصار لها مميزات خاصة بها . هذا رأيي ، فإن يك صوابا فمن الله ، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه
النفس برزخ فاصل بين الروح والجسد :
" فالنفس" برزخ أو حاجز بين الروح العلوية السّماوية و الجسد الدوني الأرضي . وهذا البرزخ " النفس " فيه صفات من عناصر الروح السماوية ، وصفات من عناصر الجسد الأرضي ، والله U خلق النفس سوية متوازنة على الفطرة بم فيها من العناصر الرّوحية السّماوية ومن العناصر الجسديّة الأرضيّة ، حيث نجد أنّ النفس لها حاجاته روحية أخذتها من عناصر الروح ؛ تشمل على تشوقه الرّوحي إلى معرفة الله سبحانه وتعالى والإيمان به وعبادته ، وكذلك للنفس حاجات أرضية أخذتها من عناصر الجسد ، حيث يشارك الإنسان الحيوان في حاجاته البدنية التي يتطلبها ، مثل حفظ الذات وبقاء النوع ، وما تثيره فيه من دوافع الجسد المختلفة كالجوع والظمأ والدافع الجنسي إلى غير ذلك . والله U أعلم بمراده .
خلق الله U الإنسان على الفطرة متوازنا سويا في نفسه ، قال تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، ففي هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلى أن في فطرة الإنسان استعداداً لمعرفة الله سبحانه وتعالى وتوحيده وعبادته . وقال الله تعالى : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا  كنا عن هذا غافلين ) ، وتبين هذه الآية أن الله جل شأنه أخرج من صلب آدم وبنيه ذريتهم نسلاً بعد نسل على هيئة الذرّ، وذلك قبل خلق الدنيا ، وأشهدهم على أنفسهم بربوبيته تعالى حتى لا يقولوا يوم القيامة إنهم كانوا عن هذا التوحيد غافلين .
جاء في الحديث الشريف أيضاً ما يؤكد أن دافع التدين الفطري في النفس الإنسانية.قد جاء في صحيح مسلم عن عباس ابن عمار قال : قال رسول الله   :" يقول الله : إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم “.
كما جاء في حديث رواه الإمام أحمد وأخرجه النسائي في سننه أن رسول الله    قال : " ألا إنها ليست نسمة تولد إلاّ ولدت على الفطرة ، فما تزال عليه حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها " . وكل هذه الحاجات أخذتها النفس من العناصر الروحية السماوية ، كما أخذت حاجات من العناصر الجسدية الأرضية . وتكوين النفس فاصلا وبرزخا بين الروح العلوية والجسد الأرضي ، مثله في  :
1 - الحياة الدنيا والآخرة وبينهما حياة البرزخ
الحياة الدنيا ، ( الأولى ) ، والحياة الآخرة (يوم القيامة)، قال تعالى : ( وللآخرة خير لك من الأولى  ) وبينهما برزخ أو فاصل وهو حياة البرزخ ؛ وهي مزيج من عناصر الدنيا ؛ الجسد المسجى الذي يبلى ، والكفن الذي يغطيه ، والعمل الذي عمله في حياته الذي يظهر له في قبره ، قال رسول الله   : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له  " ، وكذلك الحفرة التي تأْويه ، والتراب الذي يسدل عليه  ويغطيه ، والماء الذي يرش على القبر ، فهذا من الدنيا ، والبرزخ نفسه فيه من عناصر الآخرة عذاب القبر ، وحسب عمله إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار .
روى البخاري- رحمه الله تعالى - عن سمرة بن جندب رضي الله عنه  قال: "كان رسول الله   مما يكثر أن يقول لأصحابه: " هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ " قال: فيقص عليه من شاء الله ما شاء الله أن يقصّ ، وإنه قال لنا ذات غداة  : "إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما قالا لي : انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجلٍ مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه ، فيثلغ رأسه  فيتدهده  الحجر هاهنا  ، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه"  "حتى يصح رأسه كما كان ، ثم يعود عليه ، فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى !" قال: "قلت لهما : سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق .. انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلقٍ لقفاه  ، وإذا آخر قائم عليه بكلوبٍ من حديد  ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه  فيشرشر شدقه  إلى قفاه ،ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر ، فيفعل به مثلما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى " قال : " قلت: سبحان الله! ما هذان ؟ قالا لي : انطلق .. انطلق ، فانطلقنا ، فأتينا على مثل التنور  " قال: فأحسب أنه قال : " فإذا فيه لغط ، وأصوات ، فاطلعنا فيه ، فإذا فيه رجالٌ ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا  . قلت ؛ ما هؤلاء؟ قالا لي : انطلق .. انطلق، فانطلقنا فأتينا على نهر " حسبت أنه كان يقول : أحمر مثل الدم ، وإذا في النهر رجلٌ سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ، ما يسبح ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة ، فيفغر  له فاه فيلقمه حجراً، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، وكلما رجع إليه فغر له فاه، فيلقمه حجراً.فينطلق فيسبح ، ثمّ يرجع إليه ، كلما رجع إليه ، فغر له فاه ، فألقمه حجرا . قلت لهما : ما هذان؟ قالا لي : انطلق .. انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجلٍ كريه المرآه ، أو كأكره ما أنت راءٍ رجلا مرأى، فإذا هو عنده نارٌ يحشها   ويسعى حولها. قلت لهما: ما هذا؟ قالا لي: انطلق .. انطلق، فانطلقنا ، فأتينا على روضةٍ معتمة  فيها من كل نور  الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويلٌ لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان ما رأيتهم قط ، قلت : ما هذا ؟ وما هؤلاء ؟ قالا لي: انطلق.. انطلق، فانطلقنا ،فأتينا إلى دوحة   عظيمة لم أرَ دوحة قط أعظم منها ، ولا أحسن!، قالا لي : ارق فيها، فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن  ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ، ففتح لنا فدخلناها ، فتلقانا رجالٌ شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راءٍ! ، وشطر منهم كأقبح ما أنت راءٍ ! قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال : وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض   في البياض ، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة " قال : " قالا لي: هذه جنة عدن  ، وهذاك منزلك ، فسما بصري  صُعُداً ، فإذا قصرٌ مثل الربابة البيضاء  ، قالا لي : هذاك منزلك ؟ قال : قلت لهما : بارك الله فيكما ، فذراني فأدخله.قالا: أمَّا الآن فلا ، وأنت داخله. قلت لهما : فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً ! فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي : أما إنَّا سنخبرك:أمَّا الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه ، وينام عن الصلاة المكتوبة . وأما الرجل الذي أتيت عليه يُشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق  . وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزّواني . وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر، ويلقم الحجارة ، فإنه آكل الربا.وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها ، فإنه مالك خازن جهنم،وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم عليه السلام ، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة " وفي رواية البرقاني : " ولد على الفطرة ".فقال بعض المسلمين : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله   : " وأولاد المشركين . وأما القوم الذين كان شطرٌ منهم حسن ، وشطرٌ منهم قبيح ، فإنهم قومٌ خلطوا عملاً صالحا وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم". رواه البخاري . هذا في البرزخ ، وهو فيه من عناصر الآخرة ، وفيه من عناصر الدنيا ، وهذا المزيج يعطي البرزخ صفة خاصة به ويميزه عن الدنيا والآخرة .
2 – البحران بينها برزخ
أيضا كما جاء في قوله تعالى : ( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج   ) وقوله تعالى : ( مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان   ) أي : لا يبغي أحدهما على الآخر فيمتزج به ، فيكون بينهما برزخ فاصل . وهذا الفاصل فيه من عناصر الماء الملح الأجاج وهو ماء البحر ، وعناصر الماء العذب الفرات وهو ماء الأنهار ، وهذا مما يجعل له صفة خاصة فيه مميزة تميزه عن الماء المالح الأجاج وعن الماء العذب الفرات . وقال تعالى : ( وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات  وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا  ) . وكذلك كما جاء في سورة النحل : ( أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون  ) . والله U أعلم بمراده ،وهذا رأيي في النفس ، فإن كان صوابا فهو منَّة من الله سبحانه صاحب الفضل والمنة ، وإن كان خطأ فهو مِنِّي ومن الشيطان ، وأطلب من الله العلي القدير الصفح والمغفرة .
3 – السماء والأرض وما بينهما ، قال تعالى : (أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمَّى ) سورة الروم ، آية : 8 . ( وما بينهما ) أي : ما بين السماء والأرض ؛ فيه من عناصر السماء ومن عناصر الأرض من غبار ورياح وبخار وأمطار وغيوم وما يحترق من الشهب وغير ذلك . وهذا مزيج من عناصر السماء ومن عناصر الأرض واتصف بصفات خاصة به وميزته عن كل من السماء والأرض .والله تعالى أعلم .
4 ـ الليل والنهار : عند التقاء الليل بالنهار في المساء يتكون الشفق الأحمر وهو مزيج من عناصر الليل ومن عناصر النهار ، واتصف بصفة ميزته عن كل من الليل ومن النهار ، وكذلك عند الالتقاء في الصباح يتكون الفجر وهو أيضا مزيج من عناصر الصباح وعناصر الليل واتصف بصفة ميزته عن النهار وعن الليل .
5 ـ عند التقاء الألوان خرج العديد من الألوان تميزت عن الألوان المتلاقية واتصفت بصفات خاصة بها مع أنها تكونت من عناصر الألوان المتلاقية . ويجد الكثير في هذا الكون على هذا المنوال .
عناصر الإنسان ثلاثة : الجسد ، النفس ، الروح :
يتكون الإنسان من ثلاثة عناصر :  الجسد ، النفس ، الروح . وكلها مترابطة لتحقيق خلافة الأرض وأعمارها . والعقل والقلب يساندان النفس باتجاه الخير ، والهوى والقلب الصدئ الذي عليه أقفاله يساند النفس باتجاه الشر .
أولا : الجسم " أو الجسد "
كل إنسان يعرف الجسد ويشعر به ويستخدمه ، وبه الحواس الخمس ،  إنه الجزء الحي والمادي والحيواني السفلي والدوني ، تكون من ماء مهين ، وهذا الماء أصله من تراب ، قال تعالى : ( لقد كرمنا بني آدم ) وقسم من هذا الإكرام دفن الجسد بمجرد خروج الروح منه ، ومواراته بالتراب ، ولو ترك لأنتن ، ونفر منه الإنسان ، فقال الناس : " إكرام الميت دفنه " .
هذا الجسد جزء من الإنسان الذي يتنفس ، ويأكل ، ويتحرك ، ويمكنه من الحياة في الكون المادي الذي يسمى في الإسلام عالم الشهادة ، إنه الجزء الذي يفنى ويعود إلى أصله التراب ، كما أنه يمرض ويهرم ، وعندما تخرج الروح منه ، يطلق عليه الأطباء الموت الجسدي ، وأحيانا الموت السريري ؛ أي لا فائدة ، قال تعالى ( حتى إذا جآء أحدهم الموت قال رب أرجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلآ إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون  ) .
ثانيا : النفس
قال ابن القيم وابن تيمية وابن كثير والعديد من المفسرين قديما وحديثا : أنّ النفس هي الروح ، وقال آخرون : هي في الحقيقة الإنسان نفسه ، وغيرهم قال : هي العقل الذي يميّز به الإنسان ، ونوع آخر من العلماء قالوا : هي الجسم كلّه ، وآخرون قالوا : هي العقل ، وقال غيرهم : هي الدم ؛ إذا خرج الدم من جسم الإنسان مات وخرجت روحه ، قال الشاعر :
تسيل على حد الظبات  نفوسنا       وليست على غير الظبات تسيل
كما لعلماء المسلمين أقوال غير ذلك في النفس ، وقد صوّر كثير من العلماء صلتها بالجسد كصلة الملك بمملكته ، فهي تتحكم بالجسد وتتخذ قراراته وتبقى على صلة معه " كشاهد داخلي " .
لكن النفس ما هي إلاّ برزخ بين الروح السماوية العلوية والجسد الأرضي الدوني ، تكونت عند دخول الروح العلوية في الجسد الأرضي الدوني وهي تشمل على بعض عناصر الروح التي تميل إلى كلّ ما هو خيّر وصالح ، وعلى بعض عناصر الجسد التي تميل إلى كلّ ما هو شرّ وسيّء ، قال تعالى عن النفس : ( فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها  ) . والله تعالى أعلم بحقيقة النفس .
ثالثا : الروح
الروح من العلم الخاص بالله تعالى ، وقد حجبه سبحانه عن الخلائق ، قال تعالى : ( يسألونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربّي  ) ، وعند العرب تعني الروح الحياة ، فعندما يقولون :" زهقت أرواحهم" أي ماتوا ، أما الروح التي نعنيها هي النفخة الإلهية التي ينفثها الملك المكلّف بذلك داخل الجسد ، كما قال الله تعالى ( ثمّ سوّاه ونفخ فيه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون  ) ، والروح سماوية  علوية عالمها " عالم الملكوت " .
النفس صورة الإنسان وكيانه :
قال تعالى :( هذا خلق الله  ) فالنفس مزيج من السماوي والأرضي ، فإذا مالت نحو السماوي وذلك بهداية الله للإنسان ، وبالتدريب على عمل الطاعات ، والمراس في فعل الخيرات ،وأتمار بأوامر الله ، والبعد عن المعاصي ، وتأثير البيئة والمجتمع والصحبة والتعليم الشرعي الإلهي ، تصبح النفس عندئذ علوية تشبه صفات الملائكة التي تتمثل في تشوقه الروحي إلى معرفة الله تعالى والإيمان به وعبادته ، وفي سموها وصفاتها وأخلاقها ، فتضفي ذلك على صاحبها ويتصف بصفاتها وترتسم شخصيته على ذلك ، والقرآن الكريم يسميه " المسارع للخيرات " .
إذا مالت النفس نحو الجسد صارت في عملها وسلوكها وعدم هداية الله لها أرضية دونية ، فيتخلق صاحبها بأخلاق شيطانية وترتسم شخصيته على ذلك ، فتكون في شخصيته صفات الحيوان التي تتمثل في حاجاته البدنية التي يحتاجها الجسد ، فيتوقف على إشباعها لحفظ ذاته وبقاء نوعه ، قال تعالى : ( ونفس وما سوّاها * فألهمها فجورها وتقواها  ) .
النفس التي بين السماوية والأرضية تعمل الطاعات والسيئات ، فصاحبها " مقتصد ". بالرغم من ذكر ميل  النفوس ؛ إلاّ كل نوع فيه التفاوت في مقدار الميول نحو الخير أو الشر ، فيقال في المثل العامي " أصابع اليدّ غير متساوية " بالرغم أنها في يد واحدة ، وهذا يضرب لاختلاف النفوس ، حتى اختلاف النفوس تظهر بين الأخ وأخيه مع أنهم من أب واحد وأمّ واحدة ، قال تعالى : ( يأ يها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا  )، وهذا الاختلاف تتدخل فيه الصحبة والمجتمع والبيئة وطبيعة الأرض ومراحل عمر الإنسان ، فنفس الشباب تختلف عن نفس الشيخوخة والهرم ، ومقدار التحصيل العلمي والمعرفي ، وهداية الله سبحانه للإنسان قبل كل شيء ، ومدى تأثير الشرع في تهذيب النفوس الذي أنزله الله سبحانه على أنبيائه ، حتى لا يتغلب الشرُّ على الخير من أجل إعمار الأرض لا إفسادها.
النفوس تتفاوت نحو السماوي المتمثل في الخير ونحو الأرضي المتمثل في الشرّ ، وكذلك مدى تأثير كل من العقل أو الهوى على النفس الإنسانية . وممكن أن تتقارب بعض النفوس وتتشابه أحيانا ، وتتباعد في أحيان أخرى . فيمكن أن يحدث الشبه في الشكل والهيئة قال المثل المتداول على ألسنة الناس " يخلق الله من الشبه أربعين " .
العقل تبع للنفس السماوية المائلة للروح :
الروح نفخة غيبية من أمر الله U ، قال تعالى : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا  ) ، والعقل نور من عند الله سبحانه وتعالى ، شرّف به بني آدم على سائر الحيوانات ، فسار النور " العقل " مع النفخة الإلهية "الروح" يساندها ، فعن طريق العقل ندرك الله سبحانه ونتعرف عليه .
العقل وسيلة للإدراك ؛ أي عبارة عن تركيب الكليات من الجزئيات ، فالجزئيات عادة بسيطة يسهل فهمها واستيعابها ، والكليات معقدة مركبة ، فيحتاج فهمها إلى تجزئتها ، وعن طريق التجزئة يركب الإنسان كلية أو قاعدة ، هذا الإدراك العقلي منحة الله U لآدم عليه السلام وذريته لخلافة الأرض وتعميرها ، قال تعالى : ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة  ) ، حتى أن في هذا الإدراك العقلي تميز بنو آدم فيه على الملائكة ، قال تعالى : ( وعلّم آدم الأسماء كلها  ).الفعل علّم مكوّن من العين واللام والميم ؛ أي إعطاء المعلومة ، والتشديد على اللام يفيد العمل بما خرج من معلومة أو فكر فمثلا معلومة " الأنسولين " نعرفها وإذا لم نعمل بها هل يستفيد مريض السكري ؟، ففي حروف كلمة " علّم " العلم والعمل .
علّم الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم " أبو البشر " الأسماء ، والذي يستقبل هذا العلم هو الإدراك العقلي ، فأخذ سيدنا آدم المعلومة ، وخزنها في رأسه ، وأخذ يستنبط ويحلل فتعرف على خصائصها ودلالاتها ، وكانت الملائكة حاضرة عند تعليم الأسماء فحفظوها كما هي ولم يقدروا على الاستنباط أو التحليل ، فظلت المعلومة لديهم كما هي ، فقال الله تعالى لهم : (قال إنّي أعلم ما لا تعلمون  ) ، أي أنّ الإنسان الذي اختاره الله U لخلافة الأرض عنده قدرة التعامل في الحياة الدنيا وإعمار الأرض ، وحتى أنّ سفك الدماء الذي ورد في الآية على لسان الملائكة يكون لإصلاح الأرض ؛ لأن إبليس وفصيله من الجن يتبعهم قسم من بني آدم ليفسدوا في الأرض فلا بدّ من احتراف بني آدم في الشرّ لمحاربة الفساد لإصلاح الأرض لأن الله U أعطى النفس من عناصر الروح السماوية الخير، كما أعطاها من عناصر الجسد الأرضي الشر ، فنقول : أنّ النفس فيها بذرة الخير وبذرة الشر ، أي "على الفطرة " فإذا نمّى الإنسان بذرة الخير في نفسه فهو إنسان خيّر ، وإذا نمّى بذرة الشر فهو إنسان شرير . والله U أعلم بمراده .
الإدراك العقلي فيه الناس متفاوتون ، وما من أحد إلاّ وهو راض عن عقله وراض عن الله سبحانه وتعالى ، وأقلهم عقلا أرضاهم به. والعقل مناط التكليف في الإنسان ، فإذا عدم الإنسان العقل بالكلية رفع عنه التكليف ، قال رسول الله   : " رفع القلم عن ثلاثة ؛ عن النائم حتّى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يشب ، وعن المعتوه حتى يعقل  " وإذا نقص عقل الإنسان فبقدر ذلك ينتقص الخطاب الموجه إليه ، والعقل يزيد بزيادة العلم كلّما ازداد الإنسان علما وفهما ازداد عقلا ، ومنه ما هو قابل للنماء والتطور بأصل الفطرة ، كالعقل الطبعي للإنسان الذي ينتهي نموه إذا بلغ أشده وبلغ الأربعين ، ومنهما يبقى مستمرا ، وهو عقل التجربة ؛ أي العقل الناشئ عن التكرر ، فيأخذ العبر والدروس من القدر ، فيمتحن أولا ثم يتعلم ، وقسم يتعلم ثم يمتحن. فالقدر دروسه بعد الامتحان ، والشرع امتحانه بعد الدروس .
عكرمة بن أبي جهل  عقله نقله من مشرك إلى صحابي جليل :
ذكر محمد بن اسحاق ، عن عكرمة بن أبي جهل : إنه لما فتح رسول الله   مكة ذهب فاراً منها ، فلما ركب في البحر ليذهب إلى الحبشة ، فجاءتهم ريح عاصف ، واضربت بهم السفينة ، فقال القوم بعضهم لبعض : ياقوم ، اخلصوا لربكم الدعاء ، فإنه لا يُنَجِّينا إلاَّ الله وحده ، إنه لا يغني عنكم إلاَّ أن تدعوا الله وحده . فقال عكرمة في نفسه : والله إن كان لا ينفع في البحر غيره ، فإنه لا ينفع في البر غيره ، اللهم لك علي عهد ، لئن أخرجتني منه لأذهبن فلأضعن يدي في يدي محمد ، فلأجدنَّه رؤوفا رحيما . فخرجوا من البحر ، فرجع إلى رسول الله   ، فأسلم وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه .
القلب يساند النفس العلوية الدونية في الحب والخير وعمل الطاعات ،وفي الأوامر الإلهية والنواهي والبعد عن المعاصي ،وعمل المنجيات الموصلة للجنة . وهو الذي يربط النفس بالروح والذي يعلم بعين اليقين  من خلاله الأصفياء الأخيار مثل سيدنا الخضر عليه السلام .
الهوى تبع للنفس الأرضية المائلة للجسد :
قال تعالى : ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى  ).فالهوى تبع للأرض ( الجسد) يميل إلى الأرض ، يريد الدنيا ويحبها ويعشقها ، وهو مرتع للشيطان يتلعّب به كيفما شاء ، لأن الهوى يميل إلى الكسل والراحة وحب الذات ، فالشيطان يدخل للنفس الدونية من أبواب الهوى . والهوى تبع للجسد يطوع له الحواس الخمس  ؛ يرى بالعين ، ويسمع بالأذنين ، وشمّ بالأنف ، ويتذوّق باللسان ، ويحسّ بالجلد ،فالهوى يسخّر هذه الحواس لتكون دونية تبعا للنفس الدونية . قال تعالى : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا  ) ، والهوى ميَّال لما جبل في الجسد من الشهوة ؛ والشهوة قسمان شهوة حسية ؛ شهوة البطن والفرج والشرب ، وشهوة معنوية ؛ كحب الرئاسة والظهور والانتقام والتملك ، والخداع  قال تعالى : ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون  ). والكره والمعصية ، والفجور ، وما يخفي وما يبدي ، قال تعالى : ( وما تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  ) وفيها النفاق والشك ، وهذه الشهوات مرتع للشيطان وجنده .
نفوس أرضية اتبعت هواها وسارت في دروب الشيطان في حب الرئاسة والتعنت :
    قال محمد بن إسحاق فِي السّـِيْرَةِ  : حدثنِي محمد بن مسلم بن شهاب الزُّهري ، أنه حُدِّث ؛ أن أبا سفيان بن حرب ، وأبا جهل بن هشام ، والأخنس بن شَرِيق بن عمرو بن وهب الثقفي ، حليف ابن زهرة ، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله   ، وهو يصلي بالليل في بيته ، فأخذ كل واحد منهم مجلساً يستمع فيه ، وكلٌّ لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يسـتمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرَّقوا . حتى إذا جمعتهم الطريق تلاوموا ، وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاًَ ، ثم انصرفوا . حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا وجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قاله أول مرة ، ثم انصرفوا . حتى إذا كانت الليلة الثالثة ، أخذ كل رجل مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود ، فتعاهدوا على ذلك ، ثم تفرقوا . فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته ، فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟. قال: يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعتُ أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها ، وسمعتُ أشياء ما عرفتُ معناها ، ولا ما يُراد بها . قال الأخنس : وأنا والذي حلفتَ به . قال : ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه بيته ، فقال : يا أبا الحكم ، ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟. قال : ماذا سمعتُ ؟!. قال : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الرُّكب ، وكنَّا كَفَرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه . قال : فقام عنه الأخنس وتركه .
القلب المغلق الصدئ الذي عليه أقفاله ، يساند النفس المائلة للجسد الدوني في الشرِّ والمنكرات وعمل المعاصي ، وعمل المهلكات الموصلة للنار يوم القيامة . قال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفلها  ) .
الصراع الدائر بين العقل والهوى في النفس:
اتخذ إلهه هواه ، فالهوى يعرف أن العقل يقدم الأحسن لأنه تبع للنفس العلوية ، فيتدخل ، ويسجن العقل أحيانا إذا كانت النفس متأرجحة أو دونية ، ويسيطر عليه ، حتى يصبح العقل يخرج قرارات حسب رغباته وهواه سواء كانت تضره أو تنفعه , فكيف نعرف أن العقل غير مسيطر عليه من الهوى ؛ دعوة العقل إلى إتِّباع القرآن الكريم والسنة النبوية ، فيظهر الهوى عيانا وإنه من عمل الشيطان ممّ زين له الهوى لإشباع رغبات النفس الأرضية الدونية قال تعالى :( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا ، فهو له قرين * وإنهم ليصدون عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون  ) ، لذلك قرن الله صرف النفس عن الهوى مع مخافة مقام الله تعالى ، قال تعالى : ( وأما من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى فإنّ الجنة هي المأوى  ) .
يكون الصراع بين العقل الذي هو تبع للنفس العلوية والهوى الذي هو تبع للنفس الدونية في تسيير إدراكات الحواس من بصر وسمع وذوق وشم ولمس ، فالنفس الدونية تستهوي الملذات عن طريق الحواس ، والنفس السماوية يساندها العقل تقوم بكبح جماح هذه الشهوات خوفا من الله سبحانه وتعالى ، و أحيانا عن طريق الخجل ، وأخرى خوفا من سطوة ولي الأمر .
مثلا ؛ عند شهوة التكبر ، العقل ينهى ويأمر النفس بالتواضع مخافة لله سبحانه ، قال الرسول   :" لا يدخل الجنة من في قلبه ذرة من كبْر " , وإذا مالت النفس إلى التشاؤم فيأمرها العقل إلى التفاؤل , فمعظم الصراع يدور حول الجوانب  المادية والروحية في النفس الإنسانية ، فتتضمن النفس الإنسانية صفات الحيوان التي تتمثل في حاجاته البدنية التي يتوقف على إشباعها حفظا لذاته وبقاء لنوعه ، كما يتضمن في نفسيته صفات الملائكة التي تتمثل في تشوقه الروحي إلى معرفة الله تعالى والإيمان به وعبادته.
يحدث  بين هذين الجانبين صراع داخل النفس ، فتجذبه أحياناً،حاجاته البدنية ومطالب الحياة الدنيوية الأخرى، وتجذبه أحياناً حاجاته وأشواقه الروحية ومطالب الاستعداد للحياة الأخرى الباقية. ويشير القرآن الكريم إلى هذا الصراع النفسي بين الجانبين المادي والروحي في نفس الإنسان، وذلك في قوله تعالى: (فأما من طغى واثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ). كما أشار إلى الصراع بين الجانبين المادي والروحي في نفس الإنسان في وصفه لانفضاض بعض المسلمين من حول الرسول عليه الصلاة والسلام حينما سمعوا بأنباء وصول قافلة محملة بالمؤونة إلى المدينة. ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما  قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ) .
يشير القرآن الكريم أيضا إلى الصراع بين الجانبين المادي والروحي في نفس الإنسان في وصفه تعالى لخروج قارون على قومه في زينته ، مما  جعل بعض الناس يتمنون أن يكون لهم مثل ما لقارون من ثروة ، فيرد عليهم البعض الآخر من ذوي العلم والتقوى بأن ما عند الله خير وأبقى .فقال تعالى :( فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم. وقال الذين أتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون ). وتشير آيات أخرى كثيرة إلى هذا الصراع في النفس الإنسانية بين الجانبين المادي والروحي . ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون).وقوله تعالى : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم) .
الصراع النفسي بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان هو الصراع النفسي الأساسي الذي يعانيه الإنسان في هذه الحياة وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله:( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) ، وإن إغفال المطالب الروحية للنفس الإنسانية ، تجعل حياة الإنسان خالية من المعاني السامية التي تجعل للحياة قيمة ، وتفقده شعوره برسالته الكبرى في الحياة كخليفة لله U في الأرض، فتضيع منه الرؤية الواضحة لأهدافه الكبرى في الحياة وهي : عبادة الله  والتقرب إليه ، ومجاهدة النفس في سبيل بلوغ كمال النفس الإنساني ، ويتملك الإنسان في هذه الحالة الشعور بالضياع ويصبح فريسة للمرض النفسي " القلق ". وقد صور القرآن الكريم حالة الصراع والقلق التي تنتاب الإنسان الذي يفقد إيمانه بالله U بالحالة التي يشعر بها الإنسان الذي يخر من السماء فتتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق.قال تعالى : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق ).
يصور النبي   الصراع بين الجانبين المادي والروحي في النفس البشرية تصويراً واقعياً بقوله عليه الصلاة والسلام:”  مثلي كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها وجعل، يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها ، قال: فذلكم مثلي أو مثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار فتغلبوني وتقحمون فيها “، رواه مسلم . ففي هذا الحديث الشريف تصوير بارع للصراع بين الشهوات الحسية ومغريات الحياة الدنيوية ، وبين الوازع الديني الذي يمنع الناس من الانغماس في ملذاتهم وشهواتهم داخل النفس البشرية .
لعل مشيئة الله تعالى اقتضت أن يكون أسلوب الإنسان في حل هذا الصراع بين الجانبين المادي والروحي داخل نفسه ؛ هو الاختبار الحقيقي الذي وضعه الله - جل شأنه - للإنسان في هذه الحياة . يقول تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ) . وقال الرسول   في هذا المعنى: " إن الدنيا خضرة حلوة وإنّ الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فان أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " رواه مسلم . وقال   أيضا: " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ". رواه الترمذي وأحمد والحاكم .
من استطاع أن يوفق بين الجانبين المادي والروحي في نفسيته ، وأن يحقق بينهما أكبر قدر مستطاع من التوازن ، فقد نجح في هذا الاختبار، واستحق أن يثاب على ذلك بالسعادة في الدنيا والآخرة  . قال تعالى :( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).وأما من انساق وراء شهواته البدنية الدونية الأرضية وأغفل مطالب النفس المائلة للروح العلوية السماوية ، فقد فشل في هذا الاختبار، واستحق أن يجازى على ذلك بالشقاء في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى ).وقال تعالى : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر  ).
من رحمة الله سبحانه وتعالى بالإنسان ، ومن نعمه العظيمة عليه ، أن أمده بجميع الإمكانات اللازمة لحل هذا الصراع ، واجتياز هذا الاختبار الصعب ، بأن وهبه العقل ويسانده القلب ليميز بين الخير والشر، وبين الحق والباطل . كما أمده سبحانه بحرية الإرادة وحرية الاختيار ليستطيع أن يبت في أمر هذا الصراع ، وأن يختار السبيل الذي يريده لحل هذا الصراع . وأن حرية الإرادة في اختيار الطريق الذي يحل به الإنسان هذا الصراع إنما يمثلان مسئوليته وحسابه ، كما أنهما يضعان الأساس لسعادته وشقائه . قال تعالى : ( وهديناه النجدين) وقال تعالى : (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ). وقال تعالى :( وقل الحق ، من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر…) .وقال تعالى : (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).
أنواع النفس في القرآن الكريم:
النفس لها صفات اكتسبتها من سلوكياتها  ومن البيئة والصحبة والمجتمع ومن وسائل الإعلام المختلفة ؛ من صحافة وإذاعة ومسرح وتلفاز وأفلام ...وما تمرست عليه ، وما يمدها الله سبحانه من إلهامه وتوفيقه ، ومن الشرع السماوي الذي أنزل به من عند الله تعالى على الأنبياء والمرسلين ، وحينما يتغلب الجانب المادي في حياة الإنسان على نفسيته ، فينساق وراء أهوائه وشهواته، ويهمل مطالبه الروحية ، فإنه يصبح في معيشته أشبه بالحيوان، بل أضل سبيلا لأنه لم يستخدم عقله الذي ميزه الله سبحانه وتعالى به على الحيوان.قال تعالى في وصفه : (أرأيت من أتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا  ).
الإنسان الذي يعيش هذا النوع من المعيشة يكون غير ناضج الشخصية، مختل النفسية ، ويكون أشبه بالطفل الذي لا يهمه إلا إشباع حاجاته ورغباته، ولم تقو إرادته بعد، ولم يتعلم كيف يتحكم في أهوائه وشهواته، فتصبح نفسه ( النفس الأمارة بالسوء).
ذكر الإمام (ابن تيمية):  أن هذه صفات وأحوال لذات واحدة، وإلا فالنفس التي لكل إنسان: هي نفس واحدة، وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه . أي: أن لأبن آدم ثلاثة أنفس:(أمارة بالسوء، لوامة، مطمئنة)، وإن منهم من تغلب عليه هذه، ومنهم من تغلب عليه الأخرى . والحقيقة أنه لا نزاع بين الفريقين، فأنها واحدة باعتبار ذاتها، وثلاثة باعتبار صفاتها .
1ـ النفس الأمارة بالسوء :
قال تعالى : ( إنّ النفس لأمارة بالسوء  ) ، وهذه النفس مذمومة تأمر بكل سوء ، هذا من طبعها وفطرتها ، وذلك بما فيها من البذرة الأرضية متمثلة في الجسد الأرضي الذي يحيط بالروح السماوية ، لا يتخلص صاحبها من شرها، إلا بتوفيق الله فالنفس الأمّارة بالسوء تحاول أن تنزل بالإنسان ليكون أرضيا ليتماشى مع رغبات الجسد الأرضي . النفس الأمارة يغلب عليها اتباع هواها بفعل الذنب، والمعاصي، ويكون الشيطان قرينها، يأمرها بالسوء، ويزينه لها، ويريد لها الباطل في صورة تقبلها، وتستحسنها .
قد علمنا رسول الله   في خطبة الحاجة : " إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلله فلا هادي له " ، فالشر الأرضي كامن في النفس الأمّارة بالسوء وهو يوجب سيئات الأعمال ، فالنفس تعمل المعصية تلو المعصية فيخلي الله سبحانه بينه وبين نفسه المهلكة ، فتصبح المعصية سهلة عليها ، والله لا يحجب المعصية عنها ؛ لأن الله تعالى أهملها ، فهلك الإنسان بين شرها وما تقتضيه من سيئات الأعمال ، فإن وفقه الله تعالى وأعانه نجاه من ذلك كله ، فنسأل الله العظيم أن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
قال تعالى على لسان امرأة العزيز : ( وما أبرئ نفسي إنّ النفس لأمارة بالسوء إلاّ ما رحم ربي إنّ ربي غفور رحيم  ). فإنّ النفس تتحدث وتتمنى ، ولست أُبرئ نفسي ولهذا راودته لأنّ النفس لأمارةٌ بالسوء إلاّ ما رحم ربي ، أي : إلا من عصمه الله تعالى .
يعد هذا النوع من النفوس البشرية "نفوس مهلكة"؛ لأنها لا تأمر بخير، جاء في كتاب "مدارج السالكين " : "من عرف نفسه وما طبعت عليه، عرف أنها منبع كل شر، ومأوى كل سوء، وأن كل خير فيها؛ فضل من الله منَّ به علينا" ، ومن ثم تحيل هذه النفس صاحبها إلى الإقرار بأن نفسه الأمارة ، هي مصدر الذنب والإساءة.
إنَّ أغلب مشكلات الإنسان ، ما هي إلاّ نتاج هذه النفس الأمارة بالسوء ، فالنفس التي تكذب فهي أمارة بالسوء ، والتي تسرق أو تعتدي على حقوق الآخرين فهي أمارة بالسوء.
النفس صالحة للتأثر بالعديد من العوامل والاتجاهات وخاصة إذا غلب الهوى العقل وأحكم السيطرة عليه اكتسب قوة يغلب عليها الغضب والانقياد للشهوات التي تجمع الصفات المذمومة ، حيث قال الرسول الكريم   : " أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك " وهي التي أمرنا بمجاهدتها يوم عاد من إحدى غزواته فقال لأصحابه : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " , فقالوا : وما الجهاد الأكبر يا رسول الله ؟. قال : "جهاد النفس" .
القران الكريم يصور النفس الشريرة بما فيها من عمليات إدراكية وعقلية , كالإحساس ، والتفكير , والتخيل , والتأمل , والتدبير في مخلوقات الله وملكوته ،  والنفس قد تدفع صاحبها إلى الإتيان بالسوء ، وتزينه له , بما تميل إليه من حب الشهوات ، ومسايرة الغرائز , والتحريض على الانحراف الذي هو من أمراض النفس .
النفس الأمارة بالسوء في لحظة من اللحظات نراها تعمل الخير ولكن سرعان ما تعود ؛ مثل : جبلة بن الأيهم أعلن إسلامه وحاول أن يسير على الطريق المستقيم ، ولكن سرعان ما ارتدت بمجر ما داس أعرابي على ردائه أثناء الطواف حول الكعبة ، فنفسه أبت عليه أن يعامل معاملة الحق عندما ضرب الأعرابي . وكذلك من دخل في الإسلام وعرف الحق ثم ارتد إلى سوءه .
النفس مسئولة عن أفعالها  بالاختيار الذي منحه الله تعالى لها ، فالنفس قد تكون معتلة ,فتحتج إلى التدخل بالوعظ والإرشاد والنصح والتوجيه , والإقناع لعلاجها مثلما يقول الحق سبحانه :( ونفس وما سواها , فألهمها فجورها وتقواها )، الشمس:7  ، وكما أنها مسئولة عما تأتيه من الخير والشر، من السلوك الطيب الحميد , ومن السلوك الشاذ المنحرف ، لقوله تعالى : ( واتقوا يوما لا ُتجزى نفس عن نفس شيئا ً ولا يقبل منها شفاعة  ) .
2ـ النفس اللوّامة :
حينما يبلغ الإنسان مرتبة أعلى من النضوج والكمال ، يبدأ ضميره في الاستيقاظ ، فيستنكر ضعف إرادته وانقياده لأهوائه وشهواته وملذات الحياة الدنيوية مما يوقعه في الخطيئة والمعصية ، فيشعر بالذنب ، ويلوم نفسه ويتجه إلى الله سبحانه وتعالى مستغفراً ، فإنه يصبح في هذه الحالة تحت تأثير" النفس اللوامة " قال تعالى : ( لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة  ). يشير القرآن إلى أن النفس ( اللوّامة ) تلوم صاحبها على ما يرتكب من الذنوب والمعاصي , وتشبه هذه النفس الضمير الخلقي في علم النفس الحديث أو "الأنا" العليا في مفهوم مدرسة علم النفس التحليلي , وهي النفس التي يقع منها الفعل كما يقع عليها الحساب , ولذلك جاء ذكرها مقرونا بيوم القيامة .... وأهل اللغة يقولون إن اللوّام صيغة مبالغة من الفعل لام أي كثير اللوم. وفي اللوم معنى المؤاخذة , والتأنيب , لذلك خاطبها الله بصيغة القسم .
يقول مجاهد بن جبر في تفسيره :" النفس اللوامة :هي التي تلوم على ما فات وتندم عليه , وتلوم صاحبها على الشر،  لِمَ تفعله , وعلى الخير لمَ لم تستكثر منه " وروى شداد بن أوس أن رسول الله   قال : " الكّيس من دان نفسه - حاسبها - وعمل لها بعد الموت , والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله ". وقال الحسن بن على رضي الله عنهما : " إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه , وكانت المحاسبة من همته " فالنفس اللوامة نفس حذرة خائفة من الله , متيقظة لأفعالها , وهي بهذه الصفة كما يقول علماء النفس المحدثون : النفس الحساسة التي تحاسب قبل أن يحاسبها غيرها .
نقول أنّ هذه النفس متأرجحة بين التأثر بعوامل الخير والشر ، ويغلب عليها مقاومتها للشر ، وميلها نحو الخير ، وهي النفس المحاسبة والمراقبة ، واللفظة مأخوذة من اللوم ، قال الحسن البصري : إن المؤمن لا تراه إلاّ يلوم نفسه دائما ، ويقول : ما أردت بهذا؟ ، لم فعلت هذا ؟ كان غير هذا أولى . وقال غيره : هي نفس المؤمن يقوم بالذنب ، ثمّ تلومه عليه ، فهذا اللوم من الإيمان بخلاف الشقي ، فإنه لا يلوم نفسه على ذنب ، بل يلومها على فواته ، وقالت طائفة : بل هذا اللوم للنوعين ، فإن كل واحد يلوم نفسه إن كان مسيئا ، برا ، أو فاجرا ، فالسعيد يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته ، والشقي لا يلومها إلا على فوات حظها وهواها .
عن الحسن البصري   : إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه: ما أردتُ بكلمتي؟ ما أردتُ بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي ؟، وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاتب نفسه .
عن عكرمة   : تلوم على الخير و الشر: لو فعلت كذا وكذا .
عن سعيد بن جبير  وعن ابن عباس    هي النفس اللؤوم ، وعنه أيضا: "اللوامة: المذمومة  "، وذكرت النفس المذمومة في قوله تعالى: ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى  )،وقد جاءت الاستعاذة من شرها في خطبة الحاجة في قول الرسولr : "ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..".
جاء في الحديث أيضا: أن أبا بكر الصديق t قال: "يا رسول الله مرني بشيء أقوله إذا أصبحت، و إذا أمسيت قال: قل: اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه، اشهد أن لا أله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان، وشركه، وأن اقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم ".
قد ورد في كتب التفسير معنى (النفس اللوامة) ، وهي: التي تندم على ما فات وتلوم عليه ، أو هي: الفاجرة . وقال ابن جرير : وكل هذه الأقوال متقاربة ، بالمعنى، و الأشبه بظاهر التنزيل أنها: هي التي تلوم صاحبها على الخير والشر، وتندم على ما فات، أو هي: التي تلوم نفسها أبداً، وإن اجتهدت في الطاعة .
فليس من " نفس برة ولا فاجرة ، إلا وتلوم نفسها يوم القيامة ، إن عملت خيراً قالت : كيف لم أزد، وإن عملت شراً قالت: يا ليتني كنت قصرت  " .
فهذه النفس اللوامة والتي يصفها سيد قطب في تفسيره ظلال القرآن  بأنها المتيقظة ، التقية، الخائفة، المتوجسة، تحاسب نفسها، وتتلفت حولها، وتتبين حقيقة هواها، وتحذر خداع ذاتها، هي النفس الكريمة على الله حتى ليذكرها مع القيامة، وهي الصورة المقابلة للنفس الفاجرة .
نفهم من هذا القول أن المراد بالنفس اللوامة: نفوس المؤمنين التي وصفت باللوامة لأنها تكثر لوم صاحبها على التقصير في التقوى، والطاعة، وهذا اللوم هو المعبر عنه في الاصطلاح: بالمحاسبة ولومها يكون بتفكيرها وحديثها النفسي .
اللوَّامة نوعان : لوَّامة ملومة ، ولوامة غير ملومة ، فاللوَّامة الملومة: هي النفس الجاهلة، الظالمة، التي يلومها الله ، وملائكته. ورضيت بإعمالها ولم تلم نفسها ولم تحتمل في الله ملام اللوام فهي التي يلومها الله U .
أما اللوَّامة غير الملومة : وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله – مع بذله جهده – ، وأشرف النفوس من لامت نفسها في طاعة الله واحتملت ملام اللائمين في مرضاته فلا تأخذها فيها لومة لائم فهذه قد تخلصت من لوم الله U  .
مثال عن النفس اللوامة المائلة للروح ، وصاحبها يحثها لتكون مطمئنة : الحادثة " غزوة تبوك " ، سار الرسول   بجيش العسرة ، وذلك لبعد المسافة وقلّة المؤونة وشدة الحرّ ، فتخلف الكثير عن المسير أغلبهم من المنافقين ، وقسم صادق لم يجد ما يحمله وهم البكاؤون .
أمّا أبو خيثمة   رجع بعد أن سار رسول الله   أياما إلى أهله في يوم حار ، فوجد امرأتين له في عريشين  لهما في حائطه  قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له فيه ماء ، وهيأت له فيه طعاما ، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له،  فقال رسول الله   في الضّحِّ  والريح والحرِّ ، وأبو خيثمة في ظل بارد ، وطعام مهيأ ، وامرأة حسناء ، في ماله مقيم ؟! وما هذا بالنِّصف  . ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتَّى ألحق برسول الله    ، فهيِّئَا لي زادا . ففعلتا ، ثمَّ قدَّم ناضِحَه فارتحلته  ثمَّ خرج في طلب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتَّى أدركه حين نزل تَبوك ، وقد كان أدرك أبا خيثمة عُمَيْرُ بن وهب الجمحي في الطَّريق يطلبُ رسول الله   ، فترافقا ، حتَّى إذا دَنَوا من تَبوك قال أبو خيثمة لعُميْر بن وهب : إنَّ لي ذَنْبا فلا عليك أن تَخَلَّف عنِّي حتَّى آتي رسول الله   ، ففعل ، حتَّى إذا دنا من رسول الله   وهو نازل بتبوك قال الناس : هذا راكب على الطريق مُقْبِلٌ . فقال رسول الله   " كُنْ أبا خيثمة ! " ، فقالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو خيثمة . فلمَّا أناخ أقبل فسَلَّم على رسول   ،فقال له رسول الله   : " أولى لك يا أبا خيثمة  " . ثمَّ اخبر رسول الله   الخبر ، فقال له رسول الله   خيرا ، ودعا له بخير.
 3. النفس المطمئنة:
هذا النوع من النفوس فهي نفس عرفت ربها حق معرفة، واستقر بها الحال إلى اليقين، وحررت نفسها وتخلصت من كل شهوات الدنيا وعاشت مرتبطة ببارئها، فاطمأنت بذلك راضية مرضية، وهي نفس الشخص المؤمن ، ويقال لهذه النفس عند الموت : ( يأيتها النفس المطمئنة *ارجعي إلى ربك راضية مرضية* فادخلي في عبادي* وادخلي جنتي   ) ، ولذلك فالنفس المطمئنة لها بشارة عظيمة من خالقها، واجمع المفسرون وأخص منهم القرطبي  ، والآلوسي    على أنها: النفس الآمنة من الخوف، أو الحزن يوم الهول، والحساب .
يوضح سيد قطب معنى النفس المطمئنة في ظلال القرآن ، عند تفسيره لقوله تعالى : ( ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) الفجر : 28 ، قائلاً: النفس المطمئنة هي : ( المطمئنة إلى ربها، والمطمئنة إلى طريقها ، والمطمئنة إلى قدر الله بها ، والمطمئنة في السراء والضراء ، وفي البسط والقبض ، وفي المنع والعطاء ، هي المطمئنة فلا ترتاب ، والمطمئنة فلا تنحرف ، والمطمئنة فلا تتلجج في الطريق ، والمطمئنة فلا ترتاع يوم الهول الرعيب ) ، واصفاً صورة هذه النفس بأنها : الصورة المشرقة للنفس المؤمنة ، فهي مطمئنة بأيمانها ترتفع عن اللغو، وتزخر بالسماحة ، والودّ ، وترسم الطريق الواضح لمن يريد أن يتأدب بأدب الله .
وبهذا نصل إلى أن الله U أمتحن الشخص المسلم بهاتين النفسين: ( الأمارة واللوامة ) ، كما أكرمه بالمطمئنة ، فهي نفس واحدة تكون أمارة ، ثم لوامة ، ثم مطمئنة ، وهي غاية كمالها وصلاحها.
الله U، خلق الإنسان ، ويعلم ما توسوس به نفسه ، وبالتالي يجب وضع دليل لكل شخص مسلم ، به ينظم نفسه ، ويجعل منها نفساً سعيدة ؛ مطمئنة في الدنيا، وراضية مرضية في الآخرة، وذلك بالتزامه بالعقيدة السليمة ، والعبادة الصحيحة ، والخلق القويم ، وتطلع النفس إلى الكمالات ، ولإقبالها على الأعمال الصالحة ، ليصل بها الشخص المسلم إلى درجة العبد الراضي لربه ؛ والمرضي عنه لربه.
الإنسان إذا أخلص في توبته ، وأخلص في تقربه لله تعالى بالعبادات والأعمال الصالحة ، والابتعاد عن كل ما يغضب الله ، وتحكم تحكما كاملا في أهوائه وشهواته وقام بتوجيهها إلى الإشباع بالطريقة التي حددها الشرع ، فحقق بذلك التوازن التام بين مطالبه البدنية ومطالبه الروحية داخل النفس ، فإنه يصل إلى أعلى مرتبة من النضوج والكمال للنفس الإنسانية ، وهي المرتبة التي تكون فيها النفس في حالة اطمئنان وسكينة ، وينطبق عليها وصف " النفس المطمئنة" ، وهي النفس التي تغلبت على عوامل الشرّ وذهبت إلى الخير ، قال الرسول الكريم   : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني " .
طمأنينة النفس لا تكون إلاّ إلى ربها بعبوديتها ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه والرضا به  والسكون إليه .
نفس صفية بنت عبد المطلب
قال ابن إسحاق  : وقد أقبلت ـ فيما بلغني ـ صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى أخيها حمزة ، وكان أخاها لأبيها وأُمها ، ـ بعد انتهاء معركة أُحد ، وقد قتله عبد يدعى وحشي كان غلام جبير بن مطعم ، وهند بنت عتبة مثلت بجسده الطاهر ، فوجده الرسول   ببطن الوادي ، قد بُقر بطنه عن كبده ومُثِّل به فجدع أنفه وأذناه ـ فقال الرسول   لابنها الزبير بن العوام : القَها فأرجعْها لا ترى ما بأخيها . فقال لها : يا أُمَّه ، إن رسول الله   يأمرك أن ترجعي . قالت : ولِمَ ؟ وقد بلغني أنْ مُثِّل بأخي ، وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ! لاحتسبن ولأصبرن إن شاء الله ! فلمّا جاء الزُّبير إلى رسول الله   فأخبره بذلك . قال : خلِّ سبيلها ، فأتته فنظرت إليه واسترجعت   واستغفرت له ، ثمَُّ أمر به رسول الله   فدُفِن .
إن سمة محبة الله سبحانه وتعالى وخوفه ورجاءه منها بغض النظر عن محبة غيره وخوفه ، قال تعالى : ( فأوجس في نفسه خيفة موسى  ) فيستغني بمحبته عن حب ما سواه وبذكره على ذكر ما سواه وبالشوق إليه وإلى لقائه عن الشوق إلى ما سواه .
محبة الله تعالى يعرفها ابن القيم : "هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون ، وإلى علمها تسمى السابقون ، وعليها تفانى المحبون ، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون..."
قال ابن القيم أيضا رحمه الله : " الحمد لله الذي جعل المحبة إلى الظَفَر بالمحبوب سبيلاً ، ونصب طاعته والخضوع له على صدق الـمحبة دليلاً ، وحرَّك بها النفوس إلى أنواع الكمالات إيثاراً لطلبها وتحصيلاً ، والمحبة : هي روح الإيمان والأعمال ، والمقامات والأحوال ، التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه " .
يقول ابن القيم رحمه الله : " الـمحبة : هي المنـزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون ، وإلى علَمها شَمَّر السابقون ، وعليها تفانى المحبون ، وبروح نسيمها تروَّح العابدون فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح ، وقرة العيون، وهي الحياة التي مَن حُرِمَها فهو في جملة الأموات ، والنور الذي مَن فَقَدَه فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي مَن عَدِمه حلت به أنواع الأسقام ، واللذة التي مَن لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام ، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها ، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا أبداً بغيرها واصليها، وتبوئهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائماً إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب ، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة ".
فالمحبة شجرة : عرقها الفكر في العواقب وساقها: الصبر، وأغصانها: العلم، وورقها: حسن الخلق، وثمرتها : الحكمة . فإذا غُرِسَت هذه الشجرة في القلب ، وسُقِيَت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهما ركنا العمل الصالح أثْمَرَت أنواع الثمار وآتت أكلها كل حين بأمر ربها ، أصلها ثابت في قرار القلب، وفرعها متصل بسدرة المنتهى .
النفس المطمئنة  ترد القلب الشارد إلى الله سبحانه وخاصة عند المصائب ، قال تعالى : ( وما من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) حتى يصبح الإنسان كأنه جالس بين يديه يسمع بسمعه ويبصر به ، ويتحرك به ويبطش به ، وعندئذ يرى الإنسان الطمأنينة في نفسه ولا يمكن حصول الطمأنينة إلاّ بذكر الله تعالى على لسانه وبذكر ما أنزل على رسوله ، قال تعالى : ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب  ) .ونفوس صحابة رسول الله   شاهدة على ذلك ، كانوا يتسابقون في فعل الخيرات ، من عمل المعروف ، والتسابق في بذل الأموال لتجهيز الجيوش ، وعمل البر وإخراج الصدقات .
النفس المطمئنة إذا ارتقت تصل إلى حد العشق لله سبحانه وتعالى ومحبة الرسول صلوات الله عليه وسلامه ، لكن تأتيها لحظة يمكن أن تضعف فيها النفس ، ويتسلل من خلالها الشيطان إلى الجانب الذي ترغبه النفس ، ويقنعها بذلك ، وربما يوصلها إلى الهلكة ، ولكن هذه النفس سرعان ما تعود إلى اطمئنانها وحبها لله ولرسوله .
حاطب بن أبي بلتعة
نفس حاطب ابن أبي بلتعة  في لحظة ضعفت ومالت نحو عناصر الجسد الأرضي الدوني  ، ولكنها تعود وبسرعة إلى حالتها ، إلى نفس سامية راقية علوية سماوية ،مائلة إلى عناصر الروح .
هذا ما حدث لحاطب بن أبي بلتعة ؛ فعندما أجمع   المسير إلى قريش لفتح مكة ، وعلم بذلك الناس ، كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش ، يخبرهم بالذي أجمع عليه الرسول   في أمرهم ، وكان كتابه إلى ثلاثة نفر  : صفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، وعكرمة بن أبي جهل ،فيقول فيه : "إن رسول الله قد أذّن    في الناس بالغزو ، ولا أُراه يريد غيركم ، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يدٌّ بكتابي إليكم " وأعطى الكتاب إلى امرأة من مُزينة من أهل العْرج ، يقال أن اسمها كنود، وآخرون يقولون أن اسمها سارة ، وهي مولاة عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف ، وجعل لها دينارا ، وقيل عشرة دنانير ، على أن تبلغّه قريشا ، وقال أخفيه ما استطعت ، فلا تمرّي على الطري فإن عليه حرسا، فجعلته في رأسها ثمّ فتلت عليه قرونها   وسلكت على غير نقب   حتى لقيت الطريق بالعقيق ، وأتى رسول الله   الخبر من السماء بما صنع حاطب ، فبعث عليا والزبير رضي الله عنهما ، فقال : " أدركا امرأة من مزينة ، قد كتب معها حاطب كتابا يحذّر قريشا" ، فخرجا ، فأدركاها ، فأنزلاها ، والتمساه في رحلها فلم يجدا شيئا فقالا لها : إنّا نحلف بالله ما كُذب رسول الله ولا كُذبنا ، ولتخرجنّ هذا الكتاب ! أو لنكشفنّك ! فلما رأت منهما الجدّ ، قالت : أعرضا عني ! فأعرضا عنها ، فحلّت قرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب .
فجاءا به رسول الله   ، فدعا حاطبا فقال : " ما حملك على هذا ؟" . فقال يا رسول الله : والله إني لمؤمنٌ بالله ورسوله ، ما غيّرت ولا بدّلت ، ولكني امرؤا ليس لي في قومي أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد ، فصانعتهم. فقال عمر رضي الله عنه : قاتلك الله ،ترى رسول الله يأخذ بالأنفال ، وتكتب إلى قريش تحذّرهم!! دعني يا رسول الله أضرب عنقه ، فإنه قد نافق . فقال   : " وما يدريك يا عمر ؟ لعلّ الله اطلع يوم بدر على أهل بدر ، فقال اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم "، وأنزل الله تعالى في حاطب : ( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحقّ يخرجون الرّسول وإيّاكم أن تؤْمنوا بالله ربِّكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرّون إليهم بالمودّة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ، ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السبيل  ). فنرى بلتعة بن أبي حاطب سرعان ما عرف ذنبه ورجعت نفسيتة إلى قوتها في محبة الله ومحبة الرسول .
أبو لُبابة :
 نفسه مطمئنة ، ولكن في لحظة ضعفت ومالت نحو عناصر الجسد داخل نفسه . وبسرعة أيقن أبو لبابة ذلك ، فرجعت نفسه كما كانت عليه ، نفس سامية راقية مائلة لعناصر الروح .
حاصر الرسول   بني قريظة ؛ بسبب خيانتهم لعهد الرسول   يوم الخندق ، فبعثت قريظة إلى رسول الله   : ابعث إلينا أبا لُبابه بن عبد المنذر  ، لنستشيره في أمرنا . فأرسله رسول الله   إليهم ، فلمَّا رأوه قام إليه الرجال . وجَهَشَ إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرقَّ لهم وقالوا له : يا أبا لُبابة ، أترى أن ننزل على حكم محمد  ؟ قال :نعم ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ إنه الذبح  .
قال أبو لُبابة : فو الله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله   .
ثُمَّ انطلق أبو لُبابة على وجهه ، ولم يأت رسول الله   حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عَمَده ، قال : لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله عليَّ مما صنعت . وعاهدت الله ألاَّ أطأ بني قريظة أبدا ، ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا .
فلما بلغ رسول الله   خبره ، وكان قد استبطأه قال : أما إنه لو جاءني لاستغفرت له، فأمَّا إذ فعلَ ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه .
عن أم سلمة أن رسول الله   قال : تِيبَ على أبي لُبابة . قلت : أفلا أُبشِّره يا رسول الله ؟ قال : بلى إن شئت . فقامت على باب حجرتها ـ وذلك قبل أن يفرض عليهنَّ الحجاب ـ فقالت : يا أبا لُبابة ، أبشر فقد تاب الله عليك ! .قالت : فثار الناس ليطلقوه ، فقال : لا والله حتى يكون رسول الله   هو الذي يطلقني بيده ، فلما مر عليه رسول الله   خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه .
قال ابن هشام : أقام أبو لُبابة مرتبطا بالجذع ست ليل ، تأتيه امرأته فيكل صلاة فتحُلَّه للصلاة ، ثُمَّ يعود فيربط بالجذع .
ميزة النفس
 1 ـ "النفس تقسو وتكون شديدة " اكتسبت الشدة والغلظة من الجسد الذي يعود إلى الأرض بما فيها من السهول والجبال والهضاب والوديان والشعاب والصخور ، كما اكتسبت الرحمة والشفقة من الروح السماوية العلوية ، فالرّحمة من الرّحمن الرحيم ؛ سيدنا عمر رضي الله عنه ، امتاز بالشدة والغلظة في جاهليته .
2 ـ النفس تشفق وترحم : عندما كانت نفسه تميل للجسد الأرضي ، فدفن ابنته وهي حيّة ، وعندما أكرمه الله سبحانه بالإسلام مالت نفسه نحو الروح السماوية ، فالروح من عِلْمِ الله سبحانه ، والله الرحمن الرحيم ، فصار عمر يحمل الدقيق على ظهره ليوصله إلى امرأة فقيرة هي وأولادها ويوقد النار ويطهو لهم الطعام ، عمر نفسه يبعث زوجته لتساعد امرأة غريبة في ميلادها ، تقوم بها وتعتني بوليدها . حتى أن سيدنا أبو بكر وصفه قائلا : كنت شديدا في الجاهلية خوارا في الإسلام .
3 ـ النفس تتحدث وتجادل : تتحدث النفس لأن فيها من عناصر الجسد ، والجسد يمتلك النطق عن طريق الفم والحلق واللسان والشفاه ، فيقول الإنسان : راودتني نفسي أو حدثتني نفسي أن أعمل كذا . أو رأيت فلانا يحدِّث نفسه . فإذا كان حديثها سوءا فهي مائلة للجسد الأرضي ، وإذا سما حديثها ، فهو من ميولها للروح السماوية ، قال تعالى : سولت لكم أنفسكم أمرا ) يوسف ، آية : 83 . ويقول في نفسه ، قال تعالى : ( وإذا جاءوك وحيوك بما لم يحيّك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها ) المجادلة ، آية : 8 .  . وتجادل قال تعالى : ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ) النحل ، آية : 111 .
4 ـ النفس تأمر وتنهى : تلح النفس على صاحبها " الإنسان " ، فهي له آمرة ، سواء كان هذا الإلحاح بفعل الخير أو الشر ، كذلك تكون ناهية لصاحبها عن فعل الخير أو فعل الشر،وذلك حسب ميولها للجسد أو الروح .
5 ـ النفس تتثقف وتجهل : يكون تتثقف النفس إمَّا بالعلوم الربانية ، وذلك بما يمدها العقل والقلب ، وإمَّا بالعلوم الدونية ، بما يمدها الهوى والقلب المغلق الذي عليه أقفاله .أو بالعلوم الدنيوية أو الكونية .
6 ـ النفس تتغذى وتصوم : الغذاء الذي تطلبه وتهواه أحيانا من غذاء الجسد ، وأخرى يكون من غذاء الروح ، وذلك حسب ميولها إلى الجسد أو الروح ، وأحيانا الاثنان معا .وكما تحب تكره .
7 ـ النفس تحزن أو تسعد : هذا هو التخيير الإلهي لها إمَّا سعيدة أو شقية ، وأيضا إذا تحققت رغباتها ترتاح ، وإذا حرمت وهي غير راضية عن هذا الحرمان تشقى . روي  أن الرسول   دخل على عائشة رضي الله عنها حزينا ، وهذا بعد فتح مكة ودخوله للكعبة ، فقالت : مالك يا رسول الله ؟. قال : فعلت اليوم أمراً ليتني لم أك فعلته ! دخلت البيت ، فعسى الرَّجل من أُمتي لا يَقْدِر أن يدخله ، فتكون في نفسه حزازة  ، وإنما أُمِرْنَا بالطواف ولم نُؤْمَر بالدِّخُل ! .
8 ـ النفس تمرض وتصح : إذا مرض الجسد بعلَّة أو بتر أحد أجزاءه، تمرض وخاصة إذا لم تكن مثقفة بالثقافة الرَّبانية، وتصح بسلامته؛ ففيها بعضا من عناصره .
9 ـ النفس ترضى وتسخط : إن أُصيبت النفس ببلاء أو مصيبة ، وغلب العقل على الهوى ، وهي مثقفة بالتثقيف الرباني ، ترضى ، لأنها مؤمنة بقدر الله سبحانه . وإذا سجن الهوى العقل ، والنفس بعيدة عن تعاليم الله سبحانه ، تسخط وتغضب ، ففي تلك اللحظة تنسى قدر الله ، وهذا من الشيطان .
10 ـ النفس تتكبر وتتواضع : إذا أصاب النفس الكبْر ، فيقول العامة عنها بالدارجة " نفس محمضة " أو صاحب هذه النفس "شايف حاله ". وفي دول الخليج يقولون " نفس خايسة " .
11 ـ النفس يحيطها الله سبحانه وتعالى بحفظه : كما جاء في سورة الطارق ، قال تعالى : ( إن كلِّ نفس لما عليها حافظ ) آية : 4 . أي : كل نفس عليها من الله حافظ يحرسها من الآفات ، كما قال تعالى : ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) الرعد ، آية : 11 .
12 - فالنفس تسمو وتحط ، فإن سمت تصبح روحانية راقية لا تنسجم ولا تتعايش مع النفس الجسدية الأرضية الدونية ، كما حدث لأهل الكهف . وإن انحطت تصبح أرضية دونية ولا تنسجم مع النفس السماوية ؛ مثل المجرمين وقطاع الطرق .
13 – النفس السامية تتعجب وتستنكر من النفس الأرضية تصرفاتها ، فهذه نفس أبي بكر تستنكر تصرفات أنفس أهل قريش :هذا عندما اشتد مكر قريش برسول الله    في بداية دعوته ، فعرضوا على قومه ديته حتى يقتلوه ،، فحماه الله برهطه من ذلك . فهمُّوا أن يقتلوه في الزحمة ، وأحاطوا به وهو يطوف بالبيت ويصلي ، حتى كادت أيديهم أن تَخْبط به أو تلتقي عليه ، فصاح أبو بكر :  أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟! .
14 - النفس تصبر وتتعجل :   أعطى الله U الإنسان القدرة على تصبير النفس , وقال تعالى : (واصبر نفسك مع الذين يعبدون ربهم بالغداوة  والعشي  ) .الخطاب موجه للرسول الكريم، أي  اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ، ويحمدونه ويكبرونه ، ويسألونه بكرة وعشيا من عباد الله ، سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء . يقال نزلت في أشراف قريش ، حين طلبوا من النبي   أن يجلس معهم وحده ، ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود ، وليفرد أولئك بمجلس على حدة. فنهاه الله عن ذلك ، وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء .
15 – النفس تهتدي و تضلّ : ترجع هداية الإنسان وضلاله إلى نفسه كما يقول سبحانه :( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه  ) .
16 – النفس خُلِقَت على الفطرة : قال تعالى: ( ونفس وما سواها )، أي خلقها سوية مستقيمة متوازنة على الفطرة القويمة، كما قال تعالى: ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله  ) . وقال رسول الله  :" كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟" أخرجاه من رواية أبي هريرة , وفي صحيح مسلم من رواية عياض بن حمار المجاشعي، عن رسول الله   قال : " يقول الله عز وجل : إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم "  .
17 - النفس تشرى وتشترى إلى الله تعالى وهي النفس الروحية العلوية ، قال تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة ) التوبة ، آية : 111 ، وتشرى للشيطان وللعدو لأنها نفس أرضية دونية .
18 ـ النفس تُظْلَمُ من صاحبها وتظلم غيرها : تظلم نفسها ، قال تعالى : ومن يتعدَّ حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمراً ) سورة الطلاق ، آية : 1 . وقال تعالى : ( فلا تظلموا فيهنَّ أنفسكم ) سورة التوبة ، آية : 36 . فيهنَّ ، أي : الأشهر الحرم . وقال تعالى : ( كانوا أنفسهم يظلمون ) الأعراف ، 160 .
19 ـ النفس لها سعة أو طاقة : قال تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبن وعليها ما اكتسبت ) البقرة ، آية 286 .
20 ـ النفس تقتل ظلما إن كانت دونية أرضية ، والنفس السماوية العلوية تصبر على الابتلاء : فالدونية ممكن أن تقتل نفسها ، وهو ما يسمى بالانتحار ، وممكن أن تقتل نفسا غيرها ، والسماوية تخاف الله ولا تقتل نفس إلا بالحق وممكن تعفوا مرضاة لله تعالى ، مثل ما حدث لابني آدم عليه السلام :
كان من خبر ابني آدم عليه السلام ، فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف   ، أن الله تعالى شرع لآدم عليه السلام ، أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن قالوا : كان يُلد له في كل بطن ذكر وأنثى ، وأنجبت أمنا حواء عشرين بطنا ، فكان سيدنا آدم عليه السلام يُزوج أُنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر ، وكانت أُخت هابيل ذميمة ، وأخت قابيل وضيئة ، فأراد أن يستأثر بها على أخيه ، فأبى آدم ذلك إلاّ أن يقربا قربانا ، فمن تقبل منه الله فهي له ، فَتُقُبِّل من هابيل ولم يُتَقَبَّل من قابيل ، فكان من أمرهما ما قصه الله تعالى في كتابه .
قابيل نفسه كانت تميل إلى الجسد الأرضي الدوني ، حتى أنه كان يعمل مزارعا  صاحب حرث وزرع ، ملتصقا بالأرض ، وأخوه هابيل نفسه صافية تميل إلى الروح السماوية العلوية ، نفس سامية  كان راعيا لأغنامه أي صاحب غنم وضرع ، يتأمل السماوات والأرض ويتفكر في عظمة الخالق ، كما قال السُدي  :كان قابيل أكبرهما ، وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل ، وأن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل ، فأبى ، وأنهما قربا قربانا إلى الله عز وجلَّ أيهما أحق بالجارية ، وكان آدم عليه السلام قد غاب عنهما ، أتى مكة ينظر إليها ، قال الله U : هل تعلم أن لي بيتا في الأرض ؟ قال : اللهم لا ، قال : إن لي بيتا في مكة فأته . فقال آدم للسماء : احفظي ولدي بالأمانة ، فأبت . وقال للأرض ، فأبت . وقال للجبال ، فأبت .فقال لقابيل ، فقال: نعم ، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرّك. فلما انطلق آدم قربا قربانا ، وكان قابيل يفخر عليه ، فقال : أنا أحق بها منك هي أختي ، وأنا أكبر منك ، وأنا وصي والدي ، فلما قربا ، قرب هابيل جَدَعة سمنه وقرب هابيل حزمة سنبل ، فوجد فيها سنبلة عظيمة ، ففركها وأكلها ، فنزلت النار وأكلت قربان هابيل ، وتركت قربان قابيل ، فغضب وقال : لأقتلنك حتى لا تنكح أختي ، فقال هابيل : إنما يتقبل الله من المتقين . رواة جرير .  وهابيل صاحب النفس العلوية الخيرة قال لأخيه صاحب النفس الأرضية الشريرة  : لا أقابلك على صنيعك الفاسد بمثله ،ولا أريد أن أصنع كما تريد أن تصنع  فأكون أنا وأنت سواء في الخطيئة . قال عبد الله بن عمرو  : وأيم الله ، إن كان اشد الرجلين ولكن منعه التحرج ، يعني : الورع  ، ولهذا ثبت في الصحيحين ، عن النبي   أنه قال : " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار " قالوا : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : " إنه حريصا على قتل صاحبه " .  فهابيل قال لأخيه : فأنت تبوء بخطيئتي وتتحمل وزرها وأثمي يعني قتلك إياي .لكن نفس قابيل حسنت وسولت له وشجعته على قتل أخيه فقتله ، أي : بعد هذه المواعظ وهذا الزجر. قال السدي : فلما مات الغلام   تركه في العراء ، لا يعلم كيف يدفن ، فبعث الله غرابين أخوين ، فاقتتلا ، فقتل أحدهما صاحبه ، فحفر له ثم حثى عليه. وهنا لام نفسه على تعلمه من الغراب الدفن للميت وتغطية الجسد بالتراب .
قال تعالى : (واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قرَّبا قُرْبانا فَتُقُبِّلَ من أحدهما ولم يُتَقَبَّل من الآخر قال لأقتُلنَّك قال إنما يتقبَّل الله من المتقين * لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما  أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العلمين * إني أُريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جَزَاؤُاْ الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأُواري سوءة أخي فأصبح من النادمين *) سورة المائدة ، الآيات : 27 ،28 ،29 ،30 ،31.  نفس دونية أرضية مائلة للجسد الدوني ونفس علوية سماوية مائلة للروح . فالنفس الدونية المائلة للجسد الأرضي تريد أن تحقق رغبات الجسد دونما يحكمها شرع ، ولم تندم على القتل بعد كل المواعظ ! وإنما ندمت على ما تعلمته من الغراب في طريقة دفن الجسد بالتراب!. فالنفس لها أن تختار ..
الثغرات في النفس الإنسانية
إن النفس الإنسانية نفس كرمها الله تعالى، وفضلها وأراد لها الخير والصواب ، في الدنيا والآخرة ، لكن هذه النفس لها مسارب وهواجس ، تميل بها مع الهوى ، وأنى لها أن تشبع فأطماعها لا تقف عند حد معين ، وصدق الرسول الكريم r : (لو كان لأبن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً و لا يملأ جوف إبن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب ) .
هذا وقد بين سيد قطب التركيب الفطري للإنسان بما يأتي :
1ـ إن النفس البشرية فيها جانب الميل إلى الشهوات .
2ـ النفس البشرية فيها جانب الاستعداد للتسامي ، والاستعداد لضبط النفس .
3ـ وجود الحد الباني للنفس ، والحياة مع التطلع المستمر إلى الرقي .
4ـ ربط القلب البشري بالملأ الأعلى .
من هنا يمكننا أن نعرف أن للنفس الإنسانية ، من البواعث الفطرية الخفية التي يبدأ من عندها الانحراف ، وميزة هذه البواعث أن لها دوافع طبيعية ، وفطرية التي لا يشير الإسلام إلى كَبْتِها ، أو قتلها ، ولكن إلى ضبطها ، وتنظيمها و التخفيف من حدتها ، واندفاعها على أن يكون شخص الإنسان هو المتصرف فيها .
طبيعة تكوين الإنسان من طين الأرض وهو الجسد ، ومن نفخة الله فيه وهي (الروح) ، والنفس فيها من عناصر الجسد الأرضي ومن عناصر الروح السماوية ؛ فيمتلك بها الإنسان استعدادات متساوية للهدى والضلال ، وللخير والشر، فله القدرة على تمييز الخير، والشر، وله القدرة كذلك على توجيه نفسه إلى الخير، أو إلى الشر . أما أن يكون بسبب الإلهام الكائن في كيانه والذي تعبر عنه الآية الكريمة: ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها  )، أو بسبب الهداية كما في قوله تعالى : ( وهديناه النجدين  ).
فطرة النفس البشرية ، وطبيعة الدين الإسلامي كلاهما من صنع الله، وكلاهما ثابت ، كما في قوله تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون  ) ، فلو انحرفت النفوس عن الفطرة لم يردها إليها إلا الدين المتناسق مع الفطرة .
هناك ثغرات في النفس البشرية ينفذ منها عدو الله ، وعدو الناس، عند الابتعاد عن هدي الله ، فيقوده الشيـطان إلى الجاهليـة التي انتهت إليها ذراري آدم . قال تعالى : ( إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً إنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أصْحَابِ السَّعِيرِ ) . سورة فاطر : آية 6 .
سبل إبليس في إغواء الناس
عن ابن القيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتاب " طب القلوب " عن طرق الشيطان في إغواء النفس الإنسان " بتصرف " :
الطريقة الأولى : يقول الشيطان للإنسان ـ خاصة إذا كانت نفسه أرضية دونية ـ اكفر فلو فعلها ارتاح باله ولم يحمل له هما .
الطريقة الثانية : إذا سلم الإنسان من ذلك فإنه يزين له بدعة من عمل أو قول فيظن أنه على حق ، وينسى كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
الطريقة الثالثة : إذا سلم الإنسان من الأولى والثانية ، انتقل إلى الثالثة ؛ وهي عمل كبيرة من الكبائر حتى يجعله يذنب ، ولكن مع التوبة والاستغفار يغفر الله له ، كما قال أهل العلم : لا صغيرة من الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار .
الطريقة الرابعة : إذا سلم الإنسان مما سبق ؛ جاء له بصغيرة تكون معه كل الوقت أو معظمه حتى تنقص من حسناته وعلو درجاته في الجنة مع الصديقين والشهداء . وإن شاء الله تعالى بالتوبة تغفر الصغائر .
الطريقة الخامسة : إذا تاب الإنسان من كل ذلك فأنه في المراتب العليا عند إبليس ، فيأتي له ليشغله بعمل أقل أجرا من الأعلى ، فيجعل همه على سبيل المثال إماطة الأذى ، وبالرغم أنها من الإيمان إلا إنها ليست الأعلى أجرا ..وهكذا يذكره بأشياء ليلهيه عن عمل العبادات المفروضة أو النافلة ، أو ينسيه ليشغله بالتذكر في أمور تشغله عن عمل الطاعات .
الطريقة السادسة : إذا سلم الإنسان من كل ذلك ، استخدم أصعب وأقوى أساليبه التي لم يسلم منها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والله سبحانه وتعالى عصمهم . وهي تسليط الأهل والأقربين من حول الإنسان من الناس ليشتموه وليهينوه ومحاولة إيذائه بشتى الطرق ليخرج عن طوره ويقترف ذنبا ...، وله طرق أخرى يتعامل بها مع الإنسان كل وحسب نفسيته .
النفس لها القدرة على التغيير :
1 ـ النفس تفجر وتلهو وتعبث : هذه النفس مائلة للجسد متعلقة بالأرض ، تركض وراء شهواتها وأهوائها ، كل همها إشباع رغبات الجسد دون قيد أو وازع ، لا تؤمن إلا بكل شيء مادي ، وهي نوعان :
أ ـ نفس تنافق : موحدة تنطق توحيدها من لسان الجسد ، وتخفي عكس ذلك ، أي تظهر ما لا تبطن مثل : نفس مِقْبس بن صبابة المخادعة ؛ قدِم مِقْبس بن صبابة   من مكة مسلما فيما يُظهر ، فقال : يا رسول الله ، جئتك مسلما ، وجئتك أطلب دية أخي ، قُتِلَ خطاً ـ قتله أحد المسلمين خطأً في غزوة بني المصطلق  ـ فأمر الرسول  بدية أخيه هشام بن صُبابة ، فأقام عند رسول الله   غير كثير ، ثم غدا على قاتل أخيه فقتله ، ثُمَّ خرج إلى مكة مرتداً .
نفسية قارون الأرضية في بني إسرائيل التي خسف الله سبحانه وتعالى به وبداره الأرض . ونفسية عبد الله بن أبي بن سلول وأتباعه في المدينة .
أنواع نفاق النفس :
1 ـ منافقون خُلَّص وهم المضروب لهم المثل الناري ، قال تعالى :{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارَاً فَلَمَّا أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } . هذا النوع يعرف وينكر ، فقلبه منكوس. والمنافقون في قوتهم يظهرون ست خصال:إذا حدَّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا صلة الأرحام والقرابات، وأفسدوا في الأرض .وفي ضعفهم يظهرون ثلاث خصال: إذا حدَّث كَذَب، وإذَا وَعَدَ أَخْلَف ، وإذَا ائْتُمِنَ خَان.
2 ـ منافقون فيهم شعبة من شعب النفاق ، المضروب لهم المثل المائي . قال تعالى : {أَوْ كَصَيِّبٍ مِن السَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطُ بِالْكَافِرِينَ* يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . وهم مترددون تارة يظهر لهم لمعُ الإيمان وتارة يخبو ، وهم أخفُّ حالاً من المنافقين الخلَّص . كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو، عن النبي   قال:" ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه واحدة منهن ، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان " ، استدل بعض العلماء وطائفة من السلف به على أن الإنسان قد تكون فيه شعبة من إيمان، وشعبة من نفاق . هذا قلبه مصفَّح .
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا أبو معاوية يعني شيبان، عن ليث، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله   : " القلوب أربعة : أجرد ، فيه السراج يُزْهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس، وقلب مُصفَّح ؛ فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن ، فسراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر ، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص ، عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ، ومَثَل الإيمان فيه كمثل البقلة ، يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يَمُدُّها القيح والدم ، فأي المادَتين غلبت على الأخرى غلبت عليه " . وهذا إسناده جيد حسن .
ب ـ نفس تكفر وتشرك : لا تؤمن بوحدانية الله سبحانه فتعمل المعاصي دون قيود . نفوسهم كاذبة ، فتكذب المرسلين وتصد عن السبيل . قال تعالى :( فَمهِّل الكافرين أَمْهِلهم رُويدا  ) .وهم نوعان :
1ـ دعاة ؛ وهم العُبَّاد من الكفار ، وهم كفار خُلَّص، أصحاب الجهل المركب وهم يحسبون أنهم على شيء، وهم ليسوا على شيء . في قوله تعالى :{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابِ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَآءً حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئَاً }وقال تعالى :{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ*كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ  }. وقال تعالى:{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدَىً وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } . وذكرهم الله تعالى في الآيتين 5 ، 6 من سورة البقرة .هذا الكافر قلبه أغلف،مربوط على غلافه.
2ـ مقلدون وهم جُهَّالُ الجهل البسيط متبعون للدُّعاة أصحاب الجهل المركب.وهم الذين قال تعالى فيهم :{ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ } .
ج ـ نفس تكفر وتفجر : قال تعالى : ( أُولئك هم الكفرة الفجرة  ) .أي كافرة نفوسهم  فجرة في أعمالهم  الناتجة عن أهواء النفس الأرضية الدونية . كما قال تعالى ( ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) نوح :27 .
فالنفس لها أن تختار أي درب تسير ؛ طريق الهداية أو طريق الضلال ، طريق الخير أو طريق الشر ، فلها أن تسمو ولها أن تنحط ، ولها القدرة على التغيير من الانحطاط إلى السمو ، ومن السيئ إلى الحسن ، ومن الشر إلى الخير ، ولها أيضا أن تتغير بالعكس من السمو إلى الانحطاط ، ومن الخير إلى الشر ..
نفوس بشعة سارت في دروب الهوى والشيطان فأشركت بالله تعالى مَعَ أَنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ عَبْدَاً لا ضدَّاً :
قال البخاري  : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ،أخبرنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي   قال : " قال الله : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعبدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولداً . وأنا الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد " .
الأصنام التي كانت تعبد من دون الله أيام سيدنا نوح عليه السلام :
قال البخاري عن ابن عباس : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب من بعد : أما ودٌّ : فكانت لقبيلة كلب في دومة الجندل ، وأما سواع : فكانت لقبيلة هذيل ، وأما يغوث : فكانت لبني مراد ، ثم لبني غُطيف بالجُرُف عند سبأ ، وأما يعوقُ : فكانت لقبيلة همدان ، وأما نسر : فكانت لقبيلة حمير لآل ذي كلاع . وهي أسماء رجال صالحين من قوم سيدنا نوح عليه السلام فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم . ففعلوا ، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتَنَسَّخ العلم عُبِدت .
وقال جرير : عن محمد ابن قيس :{ ويعوق منسرا  }قال : كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح , وكان لهم أتباع يقتدون بهم , فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم . فصوروهم , فلما ماتوا وجاء آخرون دبَّ إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم وبهم يُسقون المطر . فعبدوهم .
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شيث عليه السلام , عن ابن عباس أنه قال : ولد لآدم عليه السلام أربعون ولداً , عشرون غلاماً وعشرون جارية , فكان ممن عاش منهم : هابيل , وقابيل , وصالح , وعبد الرحمن – الذي سماه عبد الحارث – وودٌ , وكان ود يقال له : " شيث " . ويقال له " هبة الله " . وكان إخوته قد سودوه , وولد له سواع ويغوث ويعوق ونسر . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو عمر الدوري , حدثني أبو إسماعيل المؤدب , عن عبد الله بن مسلم بن هُرمز , عن أبي حزرة , عن عروة بن الزبير قال : اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه : ود , ويغوث , ويعوق , وسواع , ونسر – قال : - وكان ود أكبرهم وأبرهم به . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور , حدثنا الحسن بن موسى , حدثنا يعقوب , عن أبي المطهر قال : ذكروا عند أبي جعفر – وهو قائم يصلي – يزيد بن المهلب , قال : فلما انفتل من صلاته قال : ذكرتم يزيد بن المهلب ؟ إما أنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله . قال : ثم ذكر ودا , قال : وكان ود رجلاً مسلماً وكان محبباً في قومه , فلما مات عسكروا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه , فلما رأى إبليس جزعهم عليه , تشبه في صورة إنسان , ثم قال : إني أرى جزعكم على هذا الرجل , فهل لكم أن أصور لكم مثله , فيكون في ناديكم فتذكروه ؟ قالوا : نعم . فصور لهم مثله , - قال : - ووضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه . فلما رأى ما بهم من ذكره قال : هل لكم أن أجعل في منزل كل رجل منكم تمثالاً مثله , فيكون له في بيته فتذكرونه ؟ قالوا : نعم . – قال : - فمثل لكل أهل بيت تمثالاً مثله , فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به , - قال : - وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به – قال : - وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه , حتى اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم , فكان أول ما عبد من دون الله : الصنم الذي سموه وداً .
قالت اليهود: نحن نعبد عُزيرا ابن الله . عليهم لعنات من الله متتابعة إلى يوم القيامة .
قصة عُزَير عند اليهود لعنة الله عليهم إلى يوم الدين   .
اليهود قالوا في العُزَير إنه ابن الله . تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوَّاً كَبِيرَاً , ذَكَرَ السّدَيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشُّبْهَةَ التي حَصَلَتْ لهم  في ذلك ؛ أنَّ العمالقةَ لَمَّا غَلَبَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائيلَ , فَقَتَلُوا عُلَمَاءِهِم وَسَبَوا كِبَارَهُمْ , بَقِيَ العُزَيرُ يَبْكِي عَلَى بَنِي إِسْرَائيلَ وَذَهَاب الْعِلْمْ مِنْهُم ,  حَتَّى سَقَطَتْ جُفُونُ عَيْنَيْهِ, فبيْنَما هُوَ ذاتَ يومٍ وإذَا مَرَّ عَلَى جَبَّانَةٍ , وإذْ امْرَأةٌ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَقُولُ : وَا مُطْعَمَاه ! وَا كَاسِيَاه ! . فَقَالَ لَهَا : وَيْحَكِ ! . مَنْ كَانَ يَطْعَمُكِ قَبْلَ هَذَا ؟ . قَالَتْ : الله . قَالَ : فَإنَّ اللهَ حَيٌّ لاَ يَمُوت ! . قَالَتْ : يَا عُزَيرُ فَمَنْ كَانَ يُعَلِّمُ الْعُلَمَاءَ قَبْلَ بَنِي إسْرَائيْلَ ؟ . قَالَ : الله . قَالَتْ : فَلِمَ تَبْكِي عَلَيْهِم ؟ . فَعَرَفَ أَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ وُعِظَ بِهِ . ثُمَّ قِيْلَ لَهُ : اذْهَبْ إلَى نَهْرِ كَذَا فَاغْتَسِلْ مِنْهُ , وَصَلِّ هُنَاكَ رَكْعَتَين , فإنَّكَ ستلقى هناك شيخاً , فما أطعمك فكله . فذهب ففعل ما أُمِرَ به , فإذا الشيخ ، فقال له : افتحْ فَمَكَ . فَفَتَحَ فَمَهُ . فألقَى فيه شَيئاً كَهيئَةِ الْجَمَرَةِ الْعَظِيمَةِ , ثَلاَث مَرَّاتٍ , فَرَجَعَ عُزَيْرٌ وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالتَّوْرَاةِ , فقَالَ : يَا بَنِي اسْرَائيْلَ , قَدْ جِئْتُكُمْ بِالتَّوْرَاةِ , فَقَالُوا : يَا عُزَيْرُ , مَا كُنْتَ كَذَّاباً ! فَعَمَدَ فَرَبَطَ عَلَى أصبع من أصابعه قلماً , وكتب التوراة بأصبعِهِ كلِّها , فَلَمَّا تَرَاجَعَ النَّاسُ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَرَجَعَ الْعُلَمَاءُ , أُخْبِرُوا بِشَأْنِ عُزَيرٍ , فَاسْتَخْرَجُوا النُّسَـخَ الَّتِي كَانُوا أَوْدَعُوهَا فِي الْجِبَالِ , وَقَابَلُوهَا بِهَا , فَوَجَدُوا مَا جَاءَ بِهِ صَحِيْحَاً , فَقَالَ بَعْضُ جَهَلَتِهِمْ : إِنَّمَا صَنَعَ هَذَا لأَنَّهُ ابن الله !!!..
هذا ما افتراه اليهود لعنات الله عليهم متتابعة إلى يوم القيامة . ( والعياذ بالله من هذه الفرية الشنيعة على الله تعالى ، وهو الذي صوَّركم في الأرحام كيف يشاء  فالله سبحانه ، تعالَى علوَّاً كبيراً ، لا إله إلا هو ، لا شريك له ) .
قالت النصارى : نحن نعبد المسيح ابن الله . وقد وصفهم الله تعالى بالضالين .
سيدنا عيسى عليه السلام في منتهى العبودية لله تعالى :
قال قتادة : ذُكِرَ لنا أنَّ امرأة رأت ابن مريم يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، في آيات سلطه الله عليهن ، وأذن له فيهنَّ ، فقالت : طوبى للبطن الذي حملك ، وطوبى الثدي الذي أرضعت به . فقال نبي الله عيسى – عليه السلام – يجيبها : طوبى لمن تلا كتاب الله ، فاتبع ما فيه ولم يكن جبارا شقيَّا . وقوله : { وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْم وُلِدْتُ وَيَوْم أَمُوتُ وَيَوْم أُبْعَثُ حَيَّاً  } إنه منتهى العبودية لله سبحانه وتعالى ، وأنه مخلوق من خلق الله سبحانه يحيا ، ويموت ، ويبعث كسائر الخلائق ، ولكن له السلامة في هذه الأحوال التي هي أشق ما يكون على العباد ، صلوات الله وسلامه عليه .
الافتراء على سيدنا عيسى عليه السلام :
قال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر , عن قتادة في قوله : { ذَلِكَ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ  } , قال : اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر , أخرج كل قوم عالمهم , فامتروا في عيسى حين رفع , فقال بعضهم : هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا , وأمات من أمات , ثم صعد إلى السماء – وهم اليعقوبية .
فقال الثلاثة : كذبت . ثم قال اثنان منهم للثالث : قل أنت فيه . قال هو ابن الله – وهم النسطورية . فقال الاثنان : كذبت . ثم قال أحد الاثنين للآخر : قل فيه . فقال : هو ثالث ثلاثة : الله إله , وهو إله , وأمه إله – وهم الإسرائيلية ملوك النصارى , عليهم لعائن الله . قال الرابع : كذبت , بل هو عبد الله ورسوله وروحه , وكلمته – وهم المسلمون .
فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قالوا , فاقتتلوا وظهروا على المسلمين , وذلك قول الله تعالَى : { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ  }. قال قتادة : وهم الذين قال الله : { فَاْخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ   } , قال : اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً   .
وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم : أن قسطنطين   جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم , فَكَانَ جَمَاعَةُ الأَسَاقِفَةِ مِنْهُم أَلْفَيْن وَمِائة وَسَبْعِينَ أَسْقُفَاً , فَاخْتَلَفُوا فِي عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ – عَلَيْهِ السَّلام – اخْتِلافَاً مُتَبَاينَاً جِدَّاً , فَقَالَتْ كُلُّ شِرْذِمَةٍ فِيهِ قَوْلاً , فَمِائة تَقُولُ فِيهِ شَيْئَاً , وَسَبْعُونَ تَقُوْلُ فَيهَ قَوْلاً آخَرَاً  , وَخَمْسُونَ تَقُولُ شَيْئَاً آخَرَ , وَمِائة وَسُتُّونَ تَقُولُ شَيْئَاً , وَلَمْ يَجْتَمِعْ عَلَى مَقَالَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَر مِنْ ثَلاثُمِائةٍ وَثَمَانِيَةٍ مِنْهُمْ , اتَّفَقُوا عَلَى قَوْلٍ وَصَمَّمُوا عَلَيْهِ , فَمَالَ إليْهِم الْمَلِكُ , وَكَانَ فَيْلَسُوفَاً , فَقَدَّمَهُمْ وَنَصَرَهُمْ وَطَرَدَ مَنْ عَدَاهُمْ , فَوَضَعُوا لَهُ الأَمَانَةَ الْكَبِيْرَةَ – بَلِ الْخِيَانَة الْعَظِيْمَة – ووضعوا له كتب القوانين , وشرَّعُوا له أشياء , وابتدعُوا بِدَعَاً كثيرةً , وَحَرَّفُوا دِينَ الْمَسِيحِ , وَغَيَّرُوهُ , فَابْتَنَى لَهُمْ حِيْنَئذٍ الكَنَائسَ الكِبَارَ فِي مَمْلَكَتِهِ كُلِّهَا : بِلادُ الشَّام , والْجَزيرة , والرُّوم . فكانَ مبلغ الكنائس فِي أيامِهِ مَا يُقَارِبُ اثْنَتَيّ عَشْرَة ألْف كَنِيسَة , وَبَنَتْ أُمُّهُ هِيْلانَةُ قُمَامَةً عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ الْمَصْلُوبِ الَّذِي يَزْعُمُ اليَهُود والنَّصَارَى أَنَّهُ الْمَسِيح , وَقَدْ كَذَبُوا , بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إلَى السَّمَاء .
الوثنية أيام سيدنا إبراهيم خليل الله تعالى :
حيث أن سيدنا إبراهيم أنكر على قومه عبادة الأصنام مع الله تعالى : { إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون } ، إنها تماثيل أنتم عليها عاكفون ! ، { قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين } مقيميمون على عبادتها ودعائها ، { قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } وكان هذا اعتراف منهم بأن أصنامهم لا تفعل شيئا من ذلك ، وهكذا تبرأ سيدنا إبراهيم عليه السلام من آلهتهم بعدما أهانها .
قالت المجوس الكفرة : نحن نعبد الشمس والقمر والكواكب .
وقالت طائفة المشركين : نحن نعبد الأوثان  ، والملائكة .
الشرك وعبادة الأوثان أيام سيد البشرية سيدنا محمد   .
قال تعالى : { ويجعلون لله ما يكرهون  } ، أي من البنات ، حيث جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ، وجعلوها بنات الله تعالى ، وقد كان أحدهم إذا بُشِّرَ { بالأنثى ظلَّ وجهه مُسْوَدَّاً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب  } ، فهم يأنفون من البنات . وجعلوا الملائكة بنات الله تعالى ، فنسبوا إليه ما لا يرتضونه لأنفسهم ، فهذا أغلظ الكفر ! وفي هذا المقام جعلوا له شركاء من عبيده وخلقه ، وأحدهم يأبى غاية الإباء ويأنف غاية الأنفة من ذلك ، أن يكون عبده شريكه في ماله يساويه فيه ، ولو شاء لقاسمه عليه ، تعالى الله عن ذلك علوَّاً كبيراً  اتخذوا الملائكة ونعتوها بنات الله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك ويعلو علوا كبيرا ، وكان عجب مشركي قريش أن النبي   يزعم أن المعبود واحد لا إله إلاَّ هو ؟ فأنكر المشركون ذلك – قبحهم الله تعالى – وتعجبوا من ترك الشرك بالله ، فإنهم كانوا قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان ، وأشربته قلوبهم ، فلما دعاهم الرسول   إلى عبادة  إله واحد وإفراد الإله بالوحدانية ، أعظموا ذلك وتمسكوا بأصنامهم التي هي جماد لا تعقل ، قال تعالى : { أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهَاً وَاحِدَاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ  } . فأنزل الله تعالى على سـيدنا محمد    { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : دخل النبي   مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نُصُب، فجعل يطعنها بعود في يده .
واتخذ المشركون للأصنام والأوثان بيوتا مضاهاة للكعبة التي بناها سيدنا خليل الرحمن ، عليه الصلاة والسلام : { أَفَرَءَيْتُمُ الَّلاتَ وَالعُزَّى }:؟وكانت اللات صخرة بيضاء منقوشة ، وعليها بيت بالطائف له أستار وَسَدَنة ، وحوله فناء معظَّم عند أهل الطائف ، وهو ثقيف ومن تابعها ، يفتخرون بها على من عجاهم من أحياء العرب بعد قريش . قال ابن جرير : وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله تعالى ، فقالوا اللات ، يعنون مؤنثة منه ، تعالى الله سبحانه عن قولهم علوَّاً كبيراً . وحكي عن ابن عباس أنه قرأ ( اللاتَ) بتشديد التاء ، وفسروه بأنه كان رجلاً يَلُتُّ للحجيج في الجاهلية السويق ، سويق الحاج ، فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه . وقال ابن جرير : وكذا العُزَّى من العزيز . وكانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة ، وهي بين مكة والطائف يعظمونها ، كما قال أبو سفيان يوم أحد : لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم . فقال الرسول   : " قولوا : الله مولانا ولا مولالكم ".
وروى البخاري من حديث الزهري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله   : "من حلف فقال في حلفه : واللات والعزى ، فليقل : لا إله إلاَّ الله ، ومن قال لصاحبه : تعالى أقامرك ، فليتصدق " . وهذا محمول على ما سبق لسانه في ذلك ، كما كانت ألستهم قد اعتادته في زمن الجاهلية ، وعن مصعب بن سعد بن وقاص ، عن أبيه ، قال : حلفت باللات والعزى ، فقال لي أصحابي : بئس ما قلت ! قلت هجرا ! فأتيت رسول الله   ، فذكرت ذلك له ، فقال : " قل : لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . وانفث عن شمالك ثلاثا ، وعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم لا تعد ".
أما ( مناة ) فكانت بالْمُشَلَّل – قُدَيد ، بين مكة والمدينة – وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ويلّون منها للحج إلى الكعبة وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها .
وقد كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة غير هذه الثلاثة التي نص عليها في القرآن الكريم ، وإنما أفرد هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها .
قال ابن إسحاق في السيرة : وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت ، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، بها سدنة وحجاب ، وتهدى لها كما يهدى للكعبة ، وتطوف بها كطوافها بها ، وتنحر عندها ، وهي تعرف فضل الكعبة عليها ؛ لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومسجده .
فكانت لقريش وبني كنانة العُزّى بنخله , وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم . قلت : بعث إليها رسول الله خالد بن الوليد فهدمها , وجعل يقول :
يَا عُزّي كُفْرَانَك لا سُبْحَانَك                إني رأيت الله قَدْ أهَانَك
وقال النسائي : أخبرنا علي بن المنذر , أخبرنا ابن فُضَيْل , حدثنا الوليد بن جُمَيْع , عن أبي الطُّفَيْلِ قال : لما فتح رسول الله   مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة , وكانت بها العُزَّى , فأتاها خالد وكانت على ثلاث سَمُرات , فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها . ثم أتى النبي   فأخبره , فقال : " ارجع فإنك لم تصنع شيئاً " . فرجع خالد , فلما أبصرته السَّدَنة – وهم حَجَبتها ـ أمنعوا في الحِيَل وهم يقولون : " يا عزي , يا عزي " . فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحفن التراب على رأسها , فغمسها بالسيف حتى قتلها , ثم رجع إلى رسول الله   فأخبره , فقال : " تلك العزى " . قال ابن إسحاق : وكانت اللات لثقيف بالطائف , وكان سدنتها وحجابها بني معتب . قلت : وقد بعث إليها رسول الله   بن شعبة وأبا سفيان صخر بن حرب , فهدماها وجعلا مكانها مسجد الطائف . قال ابن اسحاق : وكانت مناة للأوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد  فبعث رسول الله   إليها أبا سفيان  صخر بن حرب , فهدمها . ويقال : علي بن أبي طالب .
قال : وكانت ذو الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة , ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة . قلت : وكان يقال لها : الكعبة اليمانية , وللكهبة التي بمكة : الكعبة الشامية . فبعث إليه رسول الله   جرير بن عبد الله البجلي فهدمه .
قال : وكانت فلس لطيء ومن يليها بجلى طيء من سلمى وأجا . قال ابن هشام : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله   بعث إليه علي بن أبي طالب فهدمه , واصطفى منه سيفين : الرسوب والمخدم , فنفله إياهما رسول الله   , فهما سيفا علي . قال ابن اسحاق : وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له : ريام . وذكر أنه كان به كلب أسود , وأن الحبرين اللذين ذهبا مع تبع استخرجاه وقتلاه , وهدما البيت . قال ابن اسحاق : وكانت " رضاء " بيتاً لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم  .
من زعم أن المسيح هو الله  ، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله ، ومن زعم عزير ابن الله  ، ومن زعم أن الله فقير ، ومن زعم أن يد الله مغلولة  من زعم أن الله ثالث ثلاثة  ، ومن زعم أن الملائكة بنات الله  ، ومن زعم أن الأوثان والأصنام شركاء لله ، ومن عبد الشمس والقمر والكواكب من دون الله  ،ومن عبد النار واتخذها إله له ، ومن عبد العجل من دون الله .
بالرغم من كل ذلك قد دعا الله وتعالى إلى مغفرته  : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ، لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ، إنه هو الغفور الرحيم  } . وقال تعالى : {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم  } ، ثم دعا الله سبحانه إلى التوبة لمن قال أعظم من هؤلاء للذي قال { أنا ربكم الأعلى  }
وجاء في صحيح البخاري : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم " . وعن أبي هريرة  رضي الله عنه , عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " قال الله – عز وجل - : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك , وشتمني ولم يكن له ذلك , فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني . وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته . وأما شـتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولداً . وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد " . رواه أيضاً من حديث عبد الرزاق , عن معمر , عن همام بن منبه , عن أبي هريرة , مرفوعاً بمثله . تفرد بهما من هذين الوجهين .
2 ـ نفس مؤمنة تخاف نار جهنم : تعمل الصالحات وتبتعد عن المعاصي خوفا من الهلكة في نار جهنم .
3 ـ نفس مؤمنة تحب الجنة وترغبها : تحرص على الأعمال التي تدخل الجنة ليستمتع بما فيها من ملذات وخيرات ، مثل :
عمرو بن الجموح
عمرو بن الجموح  فهو رجل أعرج شديد العرج ، وكان له بنون أربعة مثل الأسد ، يشهدون مع رسول الله   المشاهد ، فلما كان يوم أُحد أرادوا حبسَه وقالوا له : إن الله عز وجل قد عذرك ؟ فأتى رسول الله   ، فقال : إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه ، فو الله إني لأرجوا أن أطأ بِعَرْجتي هذه الجنة . فقال رسول الله  : أمّا أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك . وقال لبنيه : ما عليكم ألاّ تمنعوه ، لعل الله أن يرزقه الشهادة . فخرج معه فَقُتِلَ يوم أُحد .


نفس الأُصَيرِم بني عبد الأشهل :
كان أبو هريرة يقول  : حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط ، فإذا لم يعرفه الناس سألوه : من هو ؟ فيقول : أُصَيرِم بني عبد الأشهل ، عمرو بن ثابت بن وَقش .
قال الحصين بن عبد الرحمن : فقلت لمحمود بن أسد : كيف كان شأن الأُصيرم ؟ قال : كان يأبى الإسلام على قومه ، فلما كان يوم خرج رسول الله   إلى أُحد بدا له الإسلام فاسلم ، ثمَّ أخذ سيفَه قعدا حتى دخَل في عُرض الناس ، فقاتل حتى أثبتته الجراحة  . فبينما رجالٌ من بني عبد الأشهل يتلمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به ، فقالوا : والله إنَّ هذا لَلأُصيرم ، ما جاء به ؟ لقد تركناه وإنه لمنكِر لهذا الحديث . فسألوه : ما جاء به ؟ فقالوا : ما جاء بك يا عمرو؟ أَحْدَبٌ على قومك أم رغبة في الإسلام ؟ قال : بل رغبة في الإسلام ، آمنتُ بالله وبرسوله وأسلمت ، ثمَّ أخذت سيفي فغدوت على رسول الله   ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني . ثم لم يلبث أن مات قي أيديهم ، فذكروه لرسول الله   فقال : إنَّه لَمِنْ أهل الجنَّة .
4 ـ نفس مؤمنة محبة تعشق الله وتعشق رسوله : كل أعمالها الصالحات في حب الله وطلب الرِّضى من الله تعالى عليه ، وهذه أعلى الصفات في النفس .
الصَّحَابِّيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ حُذَافَة السَّهْمِي  :
ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنَ عَسَـاكِرَ ، فِي تَرجَمَةِ عَبْدِ اللهِ بنُ حُذَافَةَ السَّهْمِّي أَحَدُ الصَّحَابَةِ ؛ أَنَّهُ أَسَرَتْهُ الرُّومُ ، فَجَاؤُوا بِهِ إلَى مَلِكِهِم ، فَقَالَ لَهُ : تَنَصَّرْ وَأَنَا أُشْرِكُكَ فِي مُلْكِي وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي . فَقال له : لو أَعْطَيْتَنِي جَمِيعَ مَا تَمْلُِك وَجَمِيع مَا تَمْلِكُهُ العَرَبُ ، عَلَى أَنْ أَرْجِعَ عَنْ دِيْنِ مُحَمَّدٍ   طَرْفَةَ عَيْنٍ ، مَا فَعَلْتُ! . فَقَالَ : إذاً أَقْتُلُكَ . قَالَ : أَنْتَ وَذَاك! . قَالَ : فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ ، وَأَمَرَ الرُّمَاةَ فَرَموهُ قَريبَاً مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ دِيْنَ النُّصْرَانِيَّةِ ، فَيَأْبَى ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ  فَأُنْزِلَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِقِدْرٍ - وفِي روايةٍ : بِبَقَرَةٍ - مِنْ نُحَاسٍ ، فَأُحْمِيَتْ ، وَجَاءَ بِأَسِيْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ فَأَلْقَاهُ وَهْوَ يَنْظُرُ ، فَإذَا هُوَ عِظَام تَلُوحُ. وَعَرَضَ عَلَيْهِ فَأَبَى ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُلْقَى فِيْهَا ، فَرُفِعَ فِي البَكَرَةِ لِيُلْقَى فيها ، فبكى ، فَطَمِعَ فيه ودعاه . فقال : إِنَّمَا بَكَيْتُ ؛ لأنَّ نفسي إِنَّمَا هي نفس واحدة ، تُلْقَى في هذه القِدْرِ السَّاعِةِ في الله ، فأحببْتُ أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله . وفي بعض الروايات : أنه سجنه ومنع عنه الطعام والشراب أياماً ، ثم أرسل إليه بِخَمْرٍ وَلَحْمِ خَنْزِيرٍ ، فلم يقربه ، ثم استدعاه فقال : ما منعك أن تأكل؟. فقال : أما أنه قد حَلَّ لي ، ولكن لم أكن لأشمتك بي . فقال له الملك : فَقَبِّلْ رأسي وأنا أطلقك . فقال : وتطلق معي جميع أسارى المسلمين ؟ قال : نعم . فقبل رأسه ، فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده . فلما رجع قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : حَقّ على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة ، وأنا أبدأ . فقام فقبَّل رأْسَهُ - رضي الله عنهما .
امرأة من بني دينار :
مرَّ رسول الله   بامرأة من بني دينار  وقد أُصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله   بأُحد ، فلما نُعوا لها قالت : فما فعل رسول الله   ؟ قالوا : خيرا يا أُمَّ فلان ، هو بحمد الله كما تحبين . قالت : أروني حتى أنظر إليه . فأشير لها إليه ، حتى إذا رأته قالت : كل مصيبة بعدك جَلَل . تريد صغيرة .
هذه النفوس ؛ هي نفس واحدة ، فمثلا ؛ نفس فاجرة ممكن تتحول إلى منافقة ، وممكن ترتقي بهدية الله لها ، لتصبح مؤمنة ، ثم ترتقي لتكون من أرقى النفوس وأرقاها وهذا برضا الله U وتوفيقه .
أبو سفيان ونفسيته الفاجرة الحاقدة في بداية الدعوة :
الحدث في "معركة أُحد" ، وبعد مقتل سيد الشهداء ، غدر به  وحشي فرماه بحربته من بعيد أثناء مقارعته لكفار قريش ، وذلك مقابل عتقه من جبير بن مطعم وطمعا بمجوهرات هند بنت عتبه ، التي مثلت بالقتلى من المسلمين ، حتى اتخذت من آذان الرجال وآنفهم خدما  وقلائد .
مرَّ الحليس بن زبَّان   ـ وهو يومئذ سيِّد الأحابيش ـ بأبي سفيان ، وهو يَضْرِب في شِدق حمزة بن عبد المطلب بزُجّ الرمح ويقول ذقْ عُقَق  ! فقال الحليس : يا بني كنانة ، هذا سيد قريش يصنع بابن عمِّه ما ترون لحماً  !فقال أبو سفيان : ويحك ، اكتمها عنِّي كانت زَلَّة .
فارتقت فيما بعد نفس أبي سفيان و صارت نفسا من أرقى النفوس ، نفس صحابي ، وهذا بفضل لله U وتوفيقه .
فنفوس جلُّ صحابة رسول الله   في جاهليتها ـ إلا سيدنا عليا كرم الله وجهه ـ كانت كافرة غير موحدة ترى الضلال هداية ، وتخال الشر خيرا، والمنكر مباحا ، والحرام حلالا مثل قتل النفس بغير حق ووأد البنات ، والكثير من الأفعال الشنيعة ، ثم ارتقت وسمت بصحبة النبي المصطفى   لتصبح نفوسهم سماوية علوية من أرقى النفوس وأسماها .
تغيرت النفوس أيام المصطفى من حال إلى حال ، بعدما كانت النفوس تميل اتجاه العناصر الجسدية الدونية الأرضية ، تريد الدنيا ومتاعها والحفاظ على إرث العادات الفاسدة وعبادة الأوثان الذي تركه الآباء والأجداد إلى نفوس تميل اتجاه العناصر الروحية السامية . تغيرت من الشرِّ إلى الخير ومن الكفر إلى الإيمان ، ومن المعاصي وقبح الأعمال إلى الفضائل والطاعات ، ونبذت هذه النفوس ما حملته من أفكار وقيم وثنية ، وصارت النفوس أيام رسول الله    تتنافس نحو مرضاه الله تعالى ومرضاة رسوله الكريم .
الدين الإسلامي جاء للبشرية كافة ، ارتضاه الله U لهم . قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة:٣، هذا الدين السماوي العظيم غير نفوس الكثير نحو الأفضل والأصلح وخاصة بالنسبة لمعتنقيه ، قال تعالى: ( إن هذا القران يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنَّ لهم أجرا كبيرا) الإسراء: ٩، فالمتتبع لمن اسلم وحسن إسلامهم من الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - يلاحظ أن الرسول الكريم،غيَّر نفوسهم ونورها بنور الإسلام السماوي ، فصارت النفوس روحية علوية ملائكية ، كلها اشتياق لملاقاة الله عز وجل ومحبة للفردوس الأعلى . وتبعتهم نفوس السلف الصالح ، ونفوس من هداهم الله تعالى على مر الأزمان وحتى تقوم الساعة .
الأوس والخزرج نفوسهم في المدينة سرعان ما تغيرت من الكفر والعداء ، إلى الإيمان بالله ومحبة الرسول الكريم الذي ألف بين قلوبهم وأصبحوا بنعمة الله إخوانا ، وصاروا يسموا بالأنصار .
الأنصار نفوسهم الراقية السماوية يوم بدر : ( قال الرسول  -   وكان دُوَيْنَ بدر ، عندما أتاه الخبر بمسير قريش : " أشيروا عَليَّ أيها الناس" ، وإنما يريد الأنصار ، وكان يظنهم لا ينصرونه إلا في الدار ، لأنهم شرطوا له أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم – فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال : أنا أُجيب عن الأنصار ، كأنك يا رسول الله تريدنا ! قال : " أجل " قال : إنك عسى أن تكون قد خرجت عن أمرٍ قد أُوحى إليك في غيره ،فإنا قد آمنا بك ، وصدَّقناك ، وشهدنا أنَّ ما جئت به حقٌ ، فأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة ، فامض يا نبي الله لما أردت ، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل ، وَصِلْ من شئت واقطع من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت ، والذي نفسي بيده ما سلكت هذا الطريق قطُّ وما لي بها علم ، وما نكره أن نلقى عدونا ، إنا لصُبُرٌ عند الحرب صدُقٌ  عند اللقاء ، لعل الله يريك منا بعض ما تقرُّ به عيناك . وفي رواية أن سعد بن معاذ قال : إنا قد خَلَّفْنا من قومنا ما نحن بأشدَّ حُيَّاًلك منهم ، ولا أطوع لك منهم لهم رغبة في الجهاد وَنِيَّة ،، ولو ظنوا يا رسول الله أنك ملاق عدوا ما تخلفوا ، ولكن ظنوا ، إنما ظنوا أنها العير . نبني لك عريشا فتكون فيه ونُعِدُّ عندك رَوَاحلك ، ثمَّ نلقى عدوَّنا ، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا ، وإن تكن الأُخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا ).
توزيع غنائم الطائف على أهل مكة ليتمكن الإسلام من نفوسهم ويغيرها عن طريق العطايا ، لأنهم حديثي العهد بالإسلام " مؤلفة قلوبهم " ، فهؤلاء نفوسهم ما زالت تميل إلى ما هو أرضي ، فلا بد من إشباع هذه النفوس حتى تتغير نحو الجانب الروحاني من النفس ؛ فأعطى أبا سفيان بن حرب  أربعين أوقية من الفضة ومائة من الإبل ، فقال : ابني يزيد ؟ فأعطاه مائة من الإبل ، فقال : ابني معاوية ؟ فأعطاه مائة من الإبل ، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ، ثم سأله مائة أخرى ، فأعطاه إياها ، وأعطى صفوان بن أمية مائة من الإبل ثم مائة ثم مائة  ، وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة مائة من الإبل ، وكذلك أعطى رجالا من رؤساء قريش وغيرها مائة مائة من الإبل وأعطى آخرين خمسين خمسين  وأربعين أربعين حتى شاع في الناس أن محمدا يعطي عطاء ما يخاف الفقر ، فازدحمت عليه الأعراب يطلبون المال حتى اضطروه إلى شجرة ، فانتزعت رداءه ، فقال : أيها الناس ردوا علي ردائي ، فو الذي نفسي بيده لو كان عندي شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ، ثم ما ألفتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا .
كانت هذه القسمة مبنية على سياسة حكيمة ، فإن في الدنيا أقواما كثيرين يغيرون نفوسهم عن طريق بطونهم لا عقولهم مثلما تهدي الدواب إلى طريقها بحزمة برسيم تظل تمد إليها فمها حتى تدخل حظيرتها آمنة ، وهذه الأصناف من البشر تحتاج إلى فنون من الإغراء حتى تتغير نفوسهم وتستأنس بالإيمان وتهش له  .
أحيانا تتغير النفس من الجانب الروحي إلى الجانب الجسدي ،ولكن سرعان ما ترجع النفس روحية راقية ، وتلوم نفسها على ما بدا منها ؛هذا ما حدث للأنصار بعد تقسيم الغنائم على أهل مكة ، وبمجرد ما لفت نظرهم الرسول   إلى الجانب الروحي المتأصل في نفوسهم ، بكت عيونهم حتى أخضلت لحاهم ندما :
روى ابن إسحاق  عن أبي سعيد الخدري ، قال : لما أعطى الرسول   ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي القبائل ، ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم ، حتى كثرت فيهم القالة ، حتى قال قائلهم : لقي والله رسول الله   قومه ، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ؛ فقسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء . قال : " فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ " قال : يا رسول الله ما أنا إلا من قومي ، قال : " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة " ، فخرج سعد فجمع الأنصار في تلك الحظيرة ، فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم ، فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال : لقد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، فأتاهم رسول الله   ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : "يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم ، وجدة وجدتموها عليَّ في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله ؟ وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألَّف اله بين قلوبكم " قالوا :: بلى ، والله ورسوله أمن وأفضل . ثم قال : " ألا تجيبوني يا معشر الأنصار " قالوا : بما نجيبك يا رسول الله ؟ لله ولرسوله المن والفضل . قال : " أما والله لو شئتم قُلْتُمْ ، فصدقتم : أتيتنا مكذبا فصدقناك ، ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك . أوجدتم يا معشر الأنصار في نفوسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله   إلى رحالكم ؟ فو الذي نفس محمد بيده ، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلكوا الناس شعبا ، وسلكت الأنصار شعبا ؛ لسلكت شعب الأنصار ، اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار " .
بكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله   ، ثم انصرف رسول الله   ، وتفرقوا  .
النفس تتغير وتسمو نحو الأفضل إلى العناصر الروحية في النفس ، قال تعالى: ( أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم  ) ، وقوله تعالى:  ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم يظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد  )  قائلاً : إن هناك تغييراً حاصلاً في حال القوم يجري وينفذ من خلال حركة هؤلاء القوم بأنفسهم ، وتغيير اتجاهها ، وسلوكها ، تغير شعوري وعلمي ، فإذا غير القوم ما بأنفسهم اتجاها وعملاً ، غير الله حالهم وفق ما غيروا هم أنفسهم . فالواضح من النص أن التغيير في النفس هو واقع نفسي للناس يوضح لنا أنَّ أعمال الجوارح ناشئة من نبع نفس تحرك الجوارح ؛ وحين تصلح النفس ؛ تصبح الجوارح مستقيمة ؛ وحين تفسد النفس تصير الجوارح غير مستقيمة .  إن هذا التغيير لا يكون في الفطرة والتكوين ، وإنما التغيير في الاختيار، وعلى مقدرة الإنسان على التغيير .
إن هذه النفس لها القدرة على التغيير إلى الأفضل وذلك عن طريق الدين الإسلامي الحنيف ، هذا الدين الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى للناس كافة ، قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا  ) ، وهذا الدين العظيم كان له الأثر الواضح في تغيير النفوس نحو الأفضل والأصلح بالنسبة لمعتنقيه ، قال تعالى : ( إن هذا القران يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنَّ لهم أجرا كبيرا  ) ، فالمتتبع لمن أسلم وحسن إسلامه في مختلف الأزمان يلاحظ كيف انقلبت حال هؤلاء الأشخاص من حال إلى حال ، وصحابة رسول الله   أكبر برهان ؛ نبذ الصحابة رضوان الله عليهم ما تشربت نفوسهم ـ وهم في جاهليتهم ـ من أفكار وقيم ! وذلك بمجرد الدخول في هذا الدين العظيم ؛ وفور تسلل الشعاع النوراني نور القرآن الكريم إلى نفوسهم .
قد يحاول الكثير منا تغيير نفسه إلى الأفضل ، أو تغيير بعض صفات النفس إلى الأحسن ، ولكن تواجه البعض منا العديد من العقبات والمشكلات المعاصرة ، والتي تشربناها عبر عصور التخلف والتجهيل التي مرت بأمتنا عبر عقود من الزمن ، وبعد البعض عن الدين ، وما غرس المستعمر من قيم رذيلة بعد تزينها وغرسها في نفوس الشباب بدل القيم النبيلة وذلك بوسائل عدة تهواها النفس ، ونجحوا في ذلك ، فحلَّ في كثير من النفوس ؛ الكذب ، والخيانة والخداع ، وسهولة سرقة أموال الغير ! ، فيسيطر الهوى على العقل ويسجنه ، فيصبح العقل يعطي قرارات تشبع ميول الهوى ، وهنا يضل الإنسان الطريق في التغيير ،وهو يظن أنه يغير النفس إلى الأفضل ، وهو في الحقيقة يهوي إلى الأسوأ .
نحن الآن في زمن كثر فيه الفتن كقطع الليل المظلم ، وصرنا بحاجة ماسة لتغيير النفوس إلى ما نرغب يقينا ، وهو الأفضل ، ولا يحصل ذلك ولن يتم تغيير النفوس إلا بالرجوع إلى ما خلَّفه لنا سيد البشرية ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن الكريم والسنة المشرفة .
الرسالات السماوية نزلت لتهذيب النفوس وإصلاحها :
الجسد الدوني الأرضي مقدّر من الله تعالى أن يحيط بالروح التي هي من العلم الخاص بالله تعالى ولم يطلعه على الخلائق ، ونحن لا نعرف حقيقتها وكنهها ، بل نعرف اسمها فقط ، فالروح داخل الجسد ، وقلنا عن النفس ؛ ما هي إلاّ برزخ فاصل بين الروح والجسد ، لذلك نرى النفس بطبعها تميل إلى من يحيط بها " الجسد " ، فهي مرتع لإبليس وفصيله ، حتى في بعض الأحيان تتماشى مع الشيطان ، فنقول : " شياطين الإنس " ، وهنا تصبح النفس الدونية مفسدة للأرض لا لإعمارها ، كما في النفس فطرة معرفة الخالق والتفكر في مخلوقاته ، فأنزل الله سبحانه وتعالى الرّسالات السماوية ، واصطفى من بني آدم أنبياء ورسل ، ليبلِّغوا رسالاته وليحققوا التوازن داخل النفس ؛ بما فيها من أوامر ونواهي ، وحلال وحرام ، ومندوب ومباح ، ومسموح وممنوع ، وذلك لإصلاح ما أفسده الشيطان ، وتكون حجة على صاحبها يوم القيامة ، وكان الله تعالى يؤيد الأنبياء والرسل بنوعين من المعجزات ؛ منها المادية ؛ مثل ناقة سيدنا صالح عليه السلام ، وعصا سيدنا موسي عليه السلام ، وتكليم الله سبحانه وتعالى له ، وميلاد سيدنا عيسى عليه السلام وتكلمه بالمهد وإحياء الموتى بقدرة الله U  وقدره .
ومنها كلام الله تعالى "القرآن الكريم "  ، وقد اختص به نبينا محمد  ، قال تعالى : ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون  ) وهذه المعجزة لا يكون خطابها إلاّ للعقل الذي يساند النفس المائلة للروح فتسمو به  وترتفع ، فتصبح به ملائكية ، فتخضع الهوى وتأمر الجسد أن يكون مطيعا لها في حركاته وسكناته ،
القرآن الكريم استهدف النفس الإنسانية وأولاها جل عنايته ، فهو يريدها هاديا لها ، وموجها يبتغي إصلاحها، وحفظها من السوء، ورعايتها مما يحدث بها من المخاطر، يرغبها في الخير بالثواب، ويثنيها عن الشر بالعقاب، فهي بذلك بما فيها من خير أو شر قابلة للصعود والرقي والتطهر والتزكي بلا حدود، فالله سبحانه وتعالى (يعلم أن النفس تضعف، وأن الاندفاع يهبط، وأن الجهد يكل، وأن حب السلامة قد يهبط بالمشاعر كلها، ويقودها إلى الرضا بالواقع الهابط.. ،لكن القرآن يجاهد ذلك الجهاد في هذه النفس، ويعالجها ذلك العلاج، ويهتف لها بالموحيات، والمؤثرات هتافاً متكرراً، ومتنوعاً في مناسبات شتى  ) ، حتى تجد النفس في القرآن الكريم نوراً ينير جوانبها، فترى كل شيء فيها، ومن حولها واضحاً( نور تشرق به كينونة الإنسان وبها تستقيم النفس على الطريق ).
هناك من العوامل ذكرها صاحب الظلال تجعل النفس أكثر رزانة وثباتا وهي : (اتساع أفق النظر، والتعامل مع الوجود الكبير، وتصور الأزل والأبد ، ورؤية الأحداث في مواضعها المقدرة في علم الله، الثابتة في تصميم الكون  ) . والى جانب ذلك كله، فالإنسان يمتلك قوة واعية مدركة موجهة،  يستطيع بها تزكية نفسه وتطهيرها، وتنمية استعداد الخير فيها، والتغلب على الشر، قال تعالى : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها  ) ، وبهذه الآيات يقسم الله تعالى بالنفس البشرية التي خلقها وعدلها، وعرفها طريق الفجور ، والتقوى، والطاعة، والمعصية، فهو سبحانه يفصل لها ما يحبه وما يكرهه  . روي عن أبي هريرة  t أن رسول الله   قال : (اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكها ، أنت وليها ومولاها  ) .
تزكية النفس تكون بطاعة الله، وصالح الأعمال أفلح ، والرحمة من الله بأن نزل الرسالات التي تضع للإنسان الموازين الثابتة، والتي تكشف عن دلائل الهدى في نفسه ، وتجلو عنه غواشي الهوى فيرى الحق ، ويتضح الطريق الذي لا غبش فيه ، ولا شبهة .
يتبع  الإسلام في تربيته للإنسان منهجا تربويا هادفاً يحقق التوازن بين الجانبين الروحي والمادي في النفس الإنسانية ، مما يؤدي ، إلى تكوين النفسية السوية التي تتمتع بالصحة النفسية .
عندما كان معظم الناس يميلون إلى الانشغال بتحصيل السعادة العاجلة  في الحياة الدنيا ، ويغفلون عن الأعمال التي توصلهم إلى السعادة الآجلة في الحياة الآخرة ، فالإنسان في حاجة إلى :
1ـ تقوية الجانب الروحي في النفس الإنسانية عن طريق الإيمان بالله وتقواه ، وأداء العبادات المختلفة ؛
الإيمان بالله :
الإسلام يدعو إلى الإيمان بالله وتوحيده وعبادته. ويؤدي الإيمان بالله إلى تحرر الإنسان من الخوف من الأشياء التي يخاف منها معظم الناس.
المؤمن الصادق الإيمان لا يخاف من الفقر أو المرض أو مصائب الدهر أو الموت أو الناس. فهو يعلم أن رزقه بيد الله تعالى وانه لن يصيبه إلاّ ما هو مقدر له. قال تعالى : ( وفي السماء، رزقكم وما توعدون ) .وقال تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت… ) . وقال تعالى : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها إن في ذلك على الله يسير ) .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي فقال : "يا غلام إني أعلمك كلمات  احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله  وإذا استعنت فاستعن بالله وأعلم أن الأمة لو اجتمعت  على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف " . رواه الترمذي.
التقوى:
التقوى تصاحب الإيمان الصادق بالله تقوى الله. والتقوى هي أن يقي الإنسان نفسه من غضب الله وعذابه بالابتعاد عن ارتكاب المعاصي والالتزام بمنهج الله تعالى، فيفعل ما أمره الله تعالى به، ويبتعد عما نهاه عنه. ويتضمن مفهوم التقوى أن يتوخى الإنسان دائما في أفعاله الحق والعدل والأمانة والصدق ، وأن يعامل الناس بالحسنى، ويتجنب  العدوان والظلم . ويتضمن مفهوم التقوى كذلك أن يؤدي الإنسان كل ما يوكل إليه من أعمال على أحسن وجه، لأنه دائم التوجه إلى الله تعالى في كل ما يقوم به من أعمال ابتغاء مرضاته وثوابه. وهذا يدفع الإنسان دائما إلى تحسين ذاته ، وتنمية قدراته ومعلوماته ليؤدي عمله دائما على أحسن وجه.
إن التقوى بهذا المعنى تصبح طاقة موجهة للإنسان نحو السلوك الأفضل والأحسن ونحو رفعة النفس ورقيها ، والبعد عن كل ما هو سيئ ومنحرف وشاذ . فالتقوى توصل النفس إلى بلوغ الكمال ، وتمد النفس السعادة في الدنيا والآخرة .
 العبادات:
أداء العبادات  المختلفة من صلاة وصيام وزكاة وحج تعمل على تزكية النفس وسموها ، وتتحلى بكثير من الخصال المفيدة التي تعينها على مجابهة مصائب الحياة ومتاعبها ، كما تجعل من النفس الإنسانية نفسية سوية يحبها الله سبحانه ويرضى عنها .
القيام بهذه العبادات المختلفة تعلم الإنسان الصبر وتحمل المشاق، ومجاهدة النفس والتحكم في أهوائها، وقوة الإرادة وصلابة العزيمة، وحب الناس والإحسان إليهم ، وتنمي فيه روح التعاون والتكافل الاجتماعي.
2ـ السيطرة على الجانب البدني في النفس الإنسانية : يتمثل ذلك في تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الخاصة بالسيطرة على الدوافع والانفعالات  والتحكم في أهواء النفس .
السيطرة على الدوافع :
يدعو الإسلام إلى السيطرة على الدوافع والتحكم فيها. ويمنع كبت الدوافع الفطرية ، فهو يدعو إلى تنظيم إشباعها والتحكم فيها ، وتوجيهها توجيهاً سليما تراعى فيه مصلحة الفرد والجماعة.
يدعو القرآن الكريم وتدعو السنة الشريفة إلى نوعين من التنظيم لإشباع الدوافع الفطرية :
1 ـ إشباعها عن الطريق الحلال المسموح به شرعاً ،مثل ؛ إباحة إشباع الدافع الجنسي عن طريق الزواج الشرعي ، وتحريم الزِّنا. قال تعالى :( و ليستعف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضلها ).
قال رسول الله   : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " . رواه الشيخان.
2 ـ عدم الإسراف في إشباعها لما في ذلك من إضرار على النفس والجسد. قال تعالى : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) . وقال رسول الله   : " كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرف  ولا مخيلة!" . رواه البخاري.
      فالتوجيهات القرآنية والسنة النبوية تحثان على السيطرة على دوافع  النفس البشرية ،مثل ؛ السيطرة على دافع العدوان ودافع التملك ، وأهواء النفس وشهواتها المختلفة النفسية أو الجسدية . قال الرسول  : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "  رواه البخاري . وقال رسول الله   : " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ". رواه مسلم.
السيطرة على الانفعالات:
القرآن الكريم والسنة النبوية يدعوان الناس أن يسيطروا على :
1ـ انفعالات النفس عند الغضب والتحكم فيها ؛ قال تعالى :( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) .
قال تعالى : ( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذين بجتبنون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ). وقال تعالى: ( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور  ) . وقال تعالى : (  فاصفح الصفح الجميل ) .
قال رسول الله   :" ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب". رواه الشيخان . وقال   : (ألا إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم ، ألا ترون  إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه. فإذا وجد أحدكم شيئا من ذلك فالأرض الأرض … ألا إن خير الرجال من كان بطيء الغضب سريع الرضا ، وشر الرجال من كان سريع الغضب بطيء الرضا " . رواه الترمذي والبخاري وأحمد.
جاء رجل إلى رسول الله   وقال : يا رسول الله ، أوصني . قال : " لا تغضب " فكرر السؤال ثلاث مرات وكرر الرسول الجواب نفسه . رواه البخاري .
2 ـ انفعالات الحزن والفرح والحب والكراهية فالقرآن الكريم والسنة الشريفة  ينهيان عن الزهو ، والكبرياء والتعالي على الناس .
القرآن والسنة اهتما بتقوية الجانب الروحي في الإنسان عن طريق الإيمان بالله وتوحيده وعبادته ، والسيطرة على الجانب النفسي في الإنسان عن طريق التحكم في الدوافع والأهواء والشهوات والانفعالات ، وهنا يستطيع الإنسان أن يحقق التوازن  بين الجانبين الروحي والبدني داخل النفس ، مما يؤدي إلى شعوره بالأمن والطمأنينة ، ويحقق له السعادة في الدنيا والآخرة
القرآن الكريم أولى عناية فائقة لتزكية النفس وتهذيبها ، وتطهيرها من نزعات الشر والإثم ، وتنمية فطرة الخير في النفس المسلمة ، وبهذه التزكية تصير النفس صالحة لعمل فضائل الأعمال ، كما ألهم الله سبحانه وتعالى كل نفس معرفة طريق فجورها وطريق تقواها ، وهذه التزكية لا تكون إلا بالتقوى ، وأن غمسها في المعاصي يكون دائما بالفجور ، ولذلك تكون استقامة النفس باستقامة الأخلاق التي تمرّست عليها ، قال أمير الشعراء أحمد شوقي :
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه           فقوّم النفس بالأخلاق تستقم
سيدنا محمد   قال : " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، وكما أرشدنا إلى المنهج الخلقي العام الشامل لعلاقة الإنسان بربه وعلاقته مع الآخرين ، قال   : " اتق الله حيثما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن  "  وكان   قدوة للنفوس المؤمنة المطمئنة  في صفاته وخلقه وحركاته وسكناته اللاتي لهن له كل التأثير على النفس المسلمة لتكون حصنا منيعا من نزغات الشيطان ؛ مثل الصدق والأمانة ، والوفاء ؛ وكان باعتراف كفار قريش ، فكانوا يقولون : جاء "الصادق الأمين "، وقالوا له : نحن نصدقك ونكذب ما جئت به . فكان يحض الناس لتتصف نفوسهم بالصفات الحميدة ، كما نفر من أمراض النفوس ؛ من الكذب والخيانة  والغدر ، وعقوق الوالدين ، والنميمة ، وأكل أموال الناس بالباطل ومن كل الصفات الذميمة التي أصبحت منتشرة في عصرنا الحاضر ولم يسل منها إلا من رضي الله عنهم ورحمهم . وحض  على التواضع وعدم الكبْر ، الرحمة ؛ " من لا يرحم الناس لا يُرحم " ، وحضَّ على الشجاعة والإقدام ، وصلة الأرحام ، وقد تجلت هذه الصفة في كل مكوثه بالمدينة وغزواته ، وخاصة في حنين وأحد ..
الرسول الكريم   يحب السخاء والكرم ، فعطايا ه تغني ، وهذا ما حدث في كل مراحل حياته وخاصة بعد فتح مكة وغزوة الطائف ، في حياته لم يرد سائلا ، كان عابدا زاهدا في الدنيا دون مغالاة ، خجولا شديد الحياء.
رسّخ الرسول   هذه الصفات في النفوس المسلمة ، فمثلا الحياء ؛ حتى تعدى الحياء من الأحياء حتى صار الخجل من الأحياء والأموات ؛
فاطمة الزهراء
 جاء في بعض السير "بتصرف" : كانت أسماء بنت عُميْر تجالس السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله   تحدثها عمّا شاهدته في رحلتها إلى الحبشة وعن ضيافة النجاشي وإكرامه للمهاجرين المسلمين الذين هربوا من مكة نجاة بأنفسهم من تعذيب الكفار لهم . فلاحظت أسماء أثناء حديثها أنّ السيدة الزهراء سارحة تفكر . فأسماء سألتها : بم تفكرين يا فاطمة ؟ .
فاطمة التي وصفت بكمال العقل سارحة تفكر شاردة الذهن ، يا ترى بم تفكر فاطمة! وهي التي نزر ملك من السماء لأجلها ليخبر سيدنا محمد : أن فاطمة بنت محمد سيدة نساء الجنة ، فأخبرها الرسول بذلك ، وكما وصفها الله تعالى بكمال عقلها مع النساء الكاملات العقل من بين النساء .
أسماء سألتها : بم تفكرين يا فاطمة ؟. قالت : أفكر في موتي ! ، وهي التي بشرها أبوها   بأنها أول من يلحقه من أهل بيته ، قالت فاطمة لأسماء : عندما أسجى وأغطى وأنا ميته أخرج بين الرجال ، فأستحي أن يراني الرجال ، فطلبت من زوجي ، وقلت له : بالله عليك يا علي ، بالله عليك يا أبا الحسن ؛ أن تدفنني ليلا حتى لا يراني الرجال .
لله در فاطمة تخجل وهي ميتة من الرجال صحابة أبيها وخلانه !
أم المؤمنين السيدة عائشة
صورة أخرى ؛ لكن لمن كان على قيد الحياة ، إنها تخجل من الأموات ؛ هذا ما صار مع أم المؤمنين السيدة عائشة ابنة أبي بكر الصديق رضوان الله عليهما ، بعد وفاة زوجها   ، وبعد وفاة أبيها رضي الله عنه ، طلب سيدنا عمر بن الخطاب ـ الفاروق أمير المؤمنين ـ بعدما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي حقدا وغدرا ، أن يدفن في حجرتها مع الرسول   ومع أبيها ، فآثرته على نفسها ووافقت .
عن عائشة رضي الله عنها  قالت : كنت ادخل بيتي الذي دفن فيه الرسول وأبي ، فأضع ثوبي وأقول : إنما هو زوجي وأبي ، فلما دفن عمر معهما  فالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة على ثيابي ، حياءا من عمر .
الأسود بن يزيد النخعي لما احتضر بكى ، فقيل له : ما هذا الجزع ؟ . فقال : مالي لا أجزع ! ومن أحق بذلك مني ! والله لو أنبئت بالمغفرة من الله لأهابن الحياء منهما قد صنعت ، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحييا منه .
شعب الإيمان
الإيمان ... بضع وستون شعبة ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان " فصفة الحياء والخجل من الصفات الحاكمة للنفس المسلمة وليست صفة عارضة ،
تأصلت الصفات النبوية حتى صارت صفات حاكمة تسير النفس المؤمنة المستسلمة لخالقها سبحانه وتعالى .
تركيز المستعمر على الصفات الحاكمة لإخضاع النفس المسلمة :
دَرَسَ المستشرقون الصفات التي أصلها الرسول الكريم في نفوس المسلمين ، وفهموها ، فبدأوا في غفلة من الناس وانهزام نفوسهم عسكريا بتجهيل شريحة من المسلمين ، ورفعوهم ليكونوا في الصدارة ، وأماكن القيادة ، وذلك لتجهيل شريحة عريضة من المسلمين ، فكثرت الأمية بين العامة ، كما أبعدوهم عن العلوم الإلهية ، وخاصة العلوم الشرعية ، ورسخوا لهم في النفوس بدائل " العادات والتقاليد وقيم " وكثير منها دخيل على نفوس المسلمين ، ثمّ جاءوا إلى الصفات الحاكمة التي سيرت نفوس المسلمين آلاف السنين ؛ فحاولوا تفتيتها ، عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ، ثمّ محوها ، ثمّ وضع البدائل التي كانت شنيعة في نفوس الشباب المسلم فزينوها وحسنوها واعتبروها من الرقي ، وحتى لا تعود وترجع الصفات الحميدة التي نادى بها أنبياء الله عند الشباب خاصة ، والذي يتمسك بالقديم فهو يوصف بالرجعي والتخلف . واستغلوا بما في النفس الإنسانية من ثغرات وميول وأهواء .
النفس السوية :
الحل الأمثل للصراع بين الجانبين المادي المائل للجسد الدوني  والروحي السماوي العلوي في النفس الإنسانية ؛ هو التوفيق بينهما ، بحيث تقوم النفس بإشباع الحاجات النفسية البدنية في الحدود التي أباحها الشّرع، وتقوم في الوقت نفسه بإشباع الحاجات النفسية الروحية كما أمره الله تعالى . والتوفيق بين الحاجات النفسية البدنية والحاجات النفسية الروحية يصبح ممكناً إذا التزم الإنسان في حياته بالتوسط والاعتدال ، وتجنب الإسراف والتطرف سواء في إشباع كل دوافعه البدنية أو الروحية.
فليس في الإسلام رهبانية تقاوم إشباع دوافع النفس البدنية وتعمل على كبتها. كما لا توجد إباحة مطلقة تعمل على الإشباع التام لدوافع النفس البدنية دون ضبط وتحكم ، وإنما ينادي الإسلام بالتوفيق بين دوافع النفس البدنية والروح داخل النفس ، وإتباع الطريقة الوسطية ليتحقق التوازن بين الجانبين ، وفي هذا المعنى يقول القرآن الكريم : ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ).  ويقول الرسول   في هذا المعنى أيضا: "إن الرهبانية  لم تكتب علينا " رواه أحمد.
عن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي   يسألون عن عبادة النبي   ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها  فقالوا: وأين نحن من النبي   ، قد غفر له ما تقدم من ذنب وما تأخر، فقال أحدهم : أما أنا فإني أقوم الليل كله. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج ،  فجاء رسول الله   فقال :" أنتم الذين قلتم كذا وكذا. أما والله أنى لأخشاكم له وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " رواه الشيخان والنسائي.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال لي النبي أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار. قلت: إني أفعل ذلك قال :" فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ونفهت نفسك وإن لنفسك عليك حقا ولأهلك حقا فصم وأفطرا وقم ونم " .رواه الشيخان.
التوازن عندما يتحقق بين متطلبات الجسد الأرضي الدوني في حدود الشرع ومتطلبات الروح السماوية العلوية دون مغالاة داخل النفس تتحقق ذاتية الإنسان في صورتها الكاملة  السوية ، والتي تمثلت في شخصية النبي   التي توازنت فيها القوة الروحية الشفافة ، والحيوية الجسمية الفياضة، فكان يعبد ربه حق  عبادته في صفاء وخشوع ، كما كان يعيش حياته البشرية مشبعا لدوافعه البدنية في الحدود التي رسمها له الله تعالى .
الحديث الشريف قال رسول الله   : "حبب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة "، رواه النسائي وأحمد والحاكم.
الشخصية السوية في الإسلام ، هي الشخصية التي تتوازن فيها النفس المشتملة على بعض من عناصر الجسد وعلى بعض من عناصر الروح ، وتشبع حاجات كل منهما دون مغالاة في إشباع الحاجات في حدود الشرع ، والشخصية السوية هي التي تعني بالبدن وصحته وقوته ، وتشبع حاجاته في الحدود التي رسمها الشرع ، التمسك بالإيمان بالله ، وتؤدي العبادات ، وتقوم بكل ما يرضي الله تعالى ، وتجتنب كل ما يغضبه .
النفس التي تنساق وراء الأهواء والشهوات ، تكون نفس غير سوية . ومثلها النفس التي تَكْبُتُ الحاجات البدنية ، وتقهر الجسد وتضعفه بالرهبانية المفرطة والتقشف الشديد ، وتتوجه إلى إشباع الحاجات والأشواق الروحية فقط ، هي أيضا نفسية غير سوية ، لأن كلا من هذين الاتجاهين المتطرفين يخالف الفطرة الإنسانية ، وحينما يتحقق التوازن بين  الجانبين المادي والروحي في النفس الإنسانية تتحقق ذاتية الإنسان في صورنها الكاملة السوية ، والتي ينعم فيها الإنسان بكل من الصحة البدنية والنفسية ، ويشعر فيها الإنسان بالأمن النفسي والطمأنينة والسعادة .
التوازن داخل نفسية الإنسان بين عناصر الجسد الأرضي الدوني ومتطلباته ، وعناصر الروح السماوية العلوية ومتطلباتها ؛ ليس إلا مثالا للتوازن الموجود في الكون بأكمله . فقد خلق الله سبحانه وتعالى كل شيء بمقدار وميزان . قال تعالى :( والأرض، مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ) . وقال تعالى : (وكل شيء عنده بمقدار ) . وقال أيضا : (  إن كل شيء. خلقناه بقدر ). وقال تعالى :( وخلق كل شئ فقدره تقديرا ).
أمرض النفس وعلاجها :
العلاج النفسي عند ابن سينا لبعض الحالات :
ابتدع ابن سينا جديدًا في علاج مريض نفسي  امتنع عن الطعام والشراب حتى نَحُل ، مع هذاء يتصل بكونه بقرة! وبعد أن حار الأطباء في علاجه، ذهب إليه ابن سينا (وكان آنذاك وزيرًا) في إهاب قصاب ومعه مساعداه ، وكان قد أوصى أهله بأن يخبروه بأن القصاب قادم لذبحه:ركب الأستاذ [ابن سينا] وجاء في موكبه المعتاد إلى قصر المريض، ثم دخل مع رجلين والسكين في يده وقال: "أين هذه البقرة لأذبحها؟" فقلَّد الشاب المريض خوار البقرة، مما يعني أنه هنا. فقال الأستاذ: "جروها إلى فناء القصر وأوثقوا يديها ورجليها وأضجعوها." فلما سمع المريض هذا جرى إلى وسط القصر واضطجع على جنبه الأيمن. ثم جاء ابن سينا وسنَّ السكين على السكين، ثم جلس ووضع يده على خصر المريض كعادة القصابين، وقال: "وه، يا لها من بقرة هزيلة ! إلا أنه لا يحل ذبحها ، اعلفوها حتى تسمن."
أراد ابن سينا أن يتعرف على مسببات المرض النفسي ليعالج النفس بعلاج أرضي لأن النفس المريضة تميل إلى الجسد الأرضي .
ابن سينا استفاد بما يحدث من تغير في سرعة وشدة النبض أثناء الانفعال في علاج شخص مصاب بحالة عشق شديد. وقد أراد ابن سينا أولا أن يعرف الفتاة التي يعشقها هذا الشخص حتى يمكن بعد ذلك أن يتخذ خطوات عملية في علاجه من عشقه. وقد ابتكر طريقة لتحقيق غرضه. فكان يضع إصبعه على نبض هذا الشخص، ويأمر أحد الرجال أن يذكر أسماء البيوت وساكنيها بجوار بيت الشاب. وكان يلاحظ ما يحدث من تغيرات في سرعة وشدة النبض عندما سمع هذه الأسماء ، واستطاع بهذه الطريقة أن يصل إلى معرفة الفتاة التي يعشقها هذا الشخص.  وذكر أن من أعراض العشق عدم انتظام النبض وأكد على أنه "أصبح من الممكن التوصل إلى معرفة المعشوق إذا أصرّ أحد العاشقَين على عدم الكشف عنه، وهذا الكشف هو إحدى طرق العلاج". ويؤكد ابن سينا على جدوى هذه الطريقة التجريبية التي كررها كثيرا وحققت نجاحا حين يقول: "استعملتُ هذه الطريقة مرارا وتكرارا، واكتشفتُ بذلك اسم المعشوق، عند ذكر أسماء المدن والشوارع والصفة في الوقت الذي يجس فيه النبض، فإن التغير يدل على العلاقة بين المكان والصفة والمعشوق. وبذلك يمكن معرفة جملة أوصافه"، ويمضي ابن سينا قائلا: "جرّبْنا ذلك بأنفسنا وتوصلنا لمعرفة معلومات مفيدة"
النفس تشمل على العنصر الأرضي " الجسد " فإنها تمرض كما يمرض الجسد ، فإذا كانت النفس مطمئنة علوية مائلة للروح فعلاجها القرآن الكريم " كلام الله" ، قال تعالى : ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون  ) ، وقال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفآء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا  ) , يقول الإمام الرازي في تفسير الآية : "اعلم أن القرآن شفاء من الأمراض الروحانية ـ مرض النفس المائلة للروح ـ وشفاء أيضا من الأمراض الجسمية ، أما كونه شفاء من الأمراض الروحانية ـ النفس المائلة للروح ـ فظاهر ، وذلك لأن الأمراض الروحانية ـ النفسية ـ نوعان : الاعتقادات  الباطلة والعادات المذمومة ... وأما الأخلاق المذمومة ، فالقرآن مشتمل على تفاصيلها وتعريف ما فيها من المفاسد ، والإرشاد إلى الأخلاق الفاضلة الكاملة والأعمال المحمودة ، فكان القرآن شفاء من هذا النوع من المرض . وثبت أن القرآن شفاء من جميع الأمراض الروحية .
علينا أن نوضح هنا أنه ليس معنى أن القرآن شفاء لهذه الأمراض ، أن قراءته على المريض أو تعليق المكتوب من الآيات عليه وما أشبه ذلك شفاء أيضا ، وإنما معنى الشفاء أنه جاء فيه من المبادئ التي تكفي لوقاية الإنسان ـ النفس الإنسانية ـ من تلك الأمراض إذا التزم بها الناس ظاهرا وباطنا " .
إن كانت النفس مائلة للجسد الدوني فهي أمارة بالسوء فعلاجها عند الطب النفسي ، فأدويته أرضية ، أما إن كانت لوامة فعلاجها القرآن الكريم وخاصة إذا كانت لوامة ومائلة إلى الخير " الروح " أما إذا كانت لوّامة ومائلة للشر فعلاجها الطب النفسي أيضا والقرآن الكريم .
حدث خلط عند الناس ، فالذي يحتاج إلى الطب النفسي يعالجونه بالقرآن فلا يشفى ، ومن يحتاج إلى القرآن يعالجونه بالطب النفسي أيضا لا يشفى ، فلا بدّ من التشخيص السليم ليكون العلاج نافعا .
الوسواس والأوهام من الأمراض النفسية ، وخاصة في الأمور العقدية والأمور التعبدية ، وهذا ما يحدثه إبليس في النفس التي تبدأ تتجه نحو الروح من النفس اللوامة ، وهذه الوساوس العقدية خطيرة جدا تقود الإنسان إلى الجنون أو الانحراف ، , والنفس ربما توسوس للإنسان إلى حد الذي جعل الطب النفسي الحديث يفرد مرضا خاصا اسمه " الوسوسة " وفيه تظل الأفكار السوداء أو التافهة القسرية تسيطر على ذهنه فتقض مضجعة ولا يستطيع التخلص منها , وفي هذا يقول القران الكريم ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه )(ق16) , وربما وسوست النفس لصاحبنها بخواطر الإثم , ومشاعر المنكر, فالوسوسة في الأصل هي الصوت الخفي , والوسواس همسات الشيطان الذي يوسوس لغيره ولهذا علينا أن نستعيذ بالله منه كما جاء في سورة الناس : ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس , إله الناس من شر الوسواس الخناس , الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ) ,"
التعالي وحب الذات " الأنا " العليا في مفهوم مدرسة علم النفس التحليلي واحتقار الآخرين والنظرة إليهم بعين الدونية ، من الأمراض النفسية ، وقد لعن إبليس لأنه أصيب بهذا المرض ، قال تعالى : ( قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين  ) وعلاج الوسواس والأوهام وتعالي النفس والكبر ، بالصبر واليقين قال تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يهتدون  ) ، ومن أمراض النفس بعض حالات الصرع والتوحد ، والانطواء وازدواج الشخصية والكذب والنفاق والتلون ، فأمراض النفس كثيرة كأمراض الجسد فهي كثر .
العلاج النفسي للمعاصي والإدمان عليها
مراحل النفس ثلاث ؛ النفس في البداية تكون أمارة بالسوء لسيطرة الجسد والهوى عليها  ، وعندما يتدخل العقل ترتقي فتصبح لوّامة ثمّ ترتقي فتصبح مطمئنة ، وكذلك العلاج كعلاج المعاصي والإدمان عليها لا بدّ وأن يمر في ثلاث مراحل :
1ـ المغالبة : أن يعاند الإنسان نفسه ويغالبها ويعاند هواه ، ففي هذه المرحلة تظهر الأعراض الإنسحابية " العصبية الحادة " وانفعالات حادة غير إرادية غير مسيطر عليها ، فتحتاج إلى الرّعاية والمساعدة  .
2ـ التعوّد : تصبح عند الإنسان عادة في مغالبة نفسه وهواه .
3ـ الاستمتاع : يستمتع الإنسان بالتخلص من المعصية أو العادات السيّئة التي تجلب المعصية ، وهنا يحبب إليه الله سبحانه الإيمان ويزينه في قلبه وكرهه من المعصية .
أسس العلاج النفسي الموجه إسلاميا :
1 ـ الإيمان : وهو يحدد للإنسان الإطار المرجعي ويحدد موقفه وحركته في الدنيا .
 2- يمد الفرد بطاقة روحية , ويدعم النواحي الايجابية في الشخصية ويؤلف بين أفراد المجتمع .
3- يحدث تغييرا في فكر الإنسان وفي وعيه , وموقفه من الوجود ومن الذات .
4- ينشىء علاقة مباشرة بين الفرد وخالقه كالصلاة والدعاء والذكر وسائر العبادات .
5- التخلص من أوهام الدنيا وصراعاتها. وعودة الإنسان إلى نفسه وإلى خالقه .
6- تعديل سلوك الإنسان مع الأخيرين بما يترتب عليه من تغيير أفكاره وانفعالاته .
7- التآلف بين الأفراد يجعل من المجتمع الإيماني بيئة علاجية يتلاشى فيها الخوف .والفزع .والغضب والعدوان .. كما يتعامل مع أهواء النفس البشرية كالغضب والشهوة والخوف والذنب والإثم ، ثمّ هو في النهاية يؤدي إلى جهاد النفس وتزكيها على أسس أخلاقيه إيمانية متينة بما يحقق للفرد احتياجاته النفسية والإنسانية المشروعة كالحاجة إلى الانتماء, والتسامي والتعالي وتجاوز طبيعته البشرية ويتعالى بها فوق دعوى الشر والجنس والعدوان , فالإسلام منهج حياة متكامل للفرد والجماعة وهو ما لا تحققه نظريات التحليل النفسي , أو النظريات الاجتماعية الحضارية أو حتى إسهامات المدرسة الإنسانية بنظمها القاصرة إلى الإنسان وخصوصا إنسان هذا العصر .
 8- الإنسان المسلم يدرك أن كل ما يفعله في حياته في  مجال ادراكاته السمعية والبصرية والحسية والوجدانية كلها مسجلة في مخه وفي جهازه العصبي عن طريق حواسه الظاهرة أو الخفية فقال تعالى : ( ولا تقفُ ما ليس لك به علمٌ إنّ السَّمع والبصر والفُؤاد كلُّ أُولئك كان عنه مسئولا  ) , وما أحوجنا إلى استلهام قرآننا وسنة نبينا صلوات الله عليه وسلامه ،ودراسات علماء المسلمين الذين ربطوا بين الدين والدنيا , فاستقامت أحوالهم و وكان قلبهم كقالبهم وعرفوا الله ففتح عليهم نور المعرفة , والصفاء الروحي نور البصيرة .
موت النفس
الله سبحانه يميت الأنفس ، فعندما يأتي ملك الموت سيدنا " عزرائيل" لينتزع الروح ويخرجها من الجسد ، بمجرد انفصال الروح عن الجسد تموت النفس وتنتهي ، لأن الله سبحانه سوّى النفس لتكون فاصلا بين الروح والجسد كما سوّى البرزخ بين الدنيا والآخرة وسوّى البرزخ بين البحرين حتى لا يبغيان ،  قال تعالى :  ( كل نفس ذائقة الموت  ) ، أي بخروج الروح ينتهي الفاصل " النفس" بينها وبين الجسد ، قال تعالى : (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها بالموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى إن ذلك لآيات لقوم يتفكرون  ) ، هذا في الموت الطبيعي ، حدث أن كان الرسول     يعطي تعاليمه للمسلمين ويفقهم في الدين ، وإلا بجنازة تمر ، فوقف رسول الله   ، فقال له الصحابة : إنها جنازة يهودي يا رسول الله ، فقال الرسول ـ  : " ألم تكنْ نفْس ".
أمَّا القَتْلُ فيتمّ بإفسادِ الجَسَدِ ، بالبتر أو التمثيل أو تقطيع بعض أجزاء من الجسد أو اختراقه بآلة حادة أو رصاصة تفسد وتقطع ما بداخل الجسد ، فيصبح الجسد غير صالح لاحتواء الروح داخله ، فتخرج الروح بأمر الله سبحانه ، فتموت النفس ، قال تعالى : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ قليلا منهم  ) ، فالدية التي تأخذ من القاتل مقابل إفساد الجسد ، أما الروح فهي من أمر الله سبحانه ولا لأحد سلطة عليها إلاّ لخالقها ، هو الذي يأمر بنفخها داخل الجسد عن طريق الملك المكلف بذلك وهو الذي يأمر بإخراجها من الجسد أيضا عن طريق سيدنا " عزرائيل" المكلف بذلك . قال تعالى : ( فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله ، قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا  ) أي أفسد سيدنا الخضر ـ عليه السلام ـ جسد الغلام الصغير بقطع رأسه ، حتى أصبحت الروح لا تجد مكانا صالحا لها للبقاء فيه ، وكان الذي حصل هو من علم الغيب الذي علمه الله سبحانه لسيدنا الخضر بأن نفس الغلام أمارة بالسوء أرضية دونية سترهق والديه الصالحين ، وهذا العلم لم يعرفه سيدنا موسى عليه السلام فاحتج على ذلك .
















المراجع
1 ـ  النهاية في غريب الحديث والأثر ، لابن الجزري 203/5 .
2- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة(باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر).
3- معجم لسان العرب .
4- مختار الصحاح.
5 - المعجم الوسيط.
6  -القاموس المحيط.
7- التعريفات ، الجرجاني
8- ينظر: موسوعة علم النفس والعلاج النفسي من منظور إسلامي، د. سعد رياض.
9 - روح المعاني، للآلوسي
10 ـ توضيح المقاصد وتصحيح القواعد، ابن قيم الجوزية: 1/75، الصفدية، ابن قيم الجوزية: 1/24.
11 ـ ينظر: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد: 1/75.
12 ـ  ينظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية: 9/273.
13 ـ معارج القدس في مدارج معرفة النفس ، للغزالي: 1/21.
14ـ تفسير القرآن العظيم لابن كثير ، المجلد الأول ، المجلد الثاني ، الجلد الثالث ، المجلد الرابع .
15- ابن مسكويه
16- أمتاع الأسماع للمقريزي ، الجزء الأول.
17- تهذيب سيرة ابن هشام ، لعبد السلام هارون.
18 ـالرحيق المختوم بحث في السيرة النبوية لصفي الرحمن المباركفوري
19 ـ كلمة لمحمد الغزالي في فقه السيرة .
20 ـ سيرة ابن هشام .
21 ـتفسير الشعراوي  .
22 ـ رياض الصالحين .
23 ـ صحيح الجامع ، الألباني .
24 ـ  مجموع الفتاوى ، ابن تيمية:
 25 ـ الروح ، ابن قيم الجوزية.
26 ـ ينظر: تفسير الخازن.
27 ـ ينظر : مجموع الفتاوى وتزكية النفوس وتربيتها كما يقرره علماء السلف، احمد محمد كنعان.
28 ـ ينظر: حلية الأولياء، للأصبهاني، وفيات الأعيان.
29 ـ في ظلال القرآن لسيد قطب
30 ـ ينظر: طبقات ابن خياط280، وسير أعلام النبلاء، وتذكرة الحفاظ، للذهبي، وتهذيب التهذيب.
31 ـ ينظر: أسد الغابة، لابن الأثير، تهذيب الكمال، المزي، تقريب التهذيب، لابن حجر.
32 ـ ينظر : مسند الطيالسي ، ومسند احمد بن حنبل، تعليق شعيب الأرنؤوط، صحيح( الاحاديث مذيلة باحكام شعيب الارنؤوط عليها)، سنن أبي داود، كتاب الصلاة، المنتقى لابن جارود، وسنن البيهقي الكبرى.
33 ـ ينظر :سنن الدارمي،  وسنن الترمذي .
34 ـ تفسير الطبري، وتفسير الدر المنثور، وتفسير فتح القدير.
35 ـ ينظر: طبقات الفقهاء، للشيرازي، وتذكرة الحفاظ، للذهبي، ولسان الميزان، لابن حجر، وطبقات المفسرين، السيوطي
36 ـ تفسير البغوي .
37 ـ تفسير التحرير والتنوير.
38 ـ شذرات الذهب، عبد الحي بن احمد.
39 ـ تفسير القرطبي، روح المعاني.
40 ـ أمتع الأسماع ، للمقريزي ، تقي الدين أحمد بن على ، الجزء الأول. تحقيق محمود محمد شاكر .
41 ـ شرح المواهب للزرقاني .
42 ـ سنن الدارمي ، كتاب الرقائق(باب لو كان لأبن آدم واديان من مال)، وصحيح البخارين كتاب الرقائق، (باب ما يتقي من فتنة المال)، وصحيح مسلم،  كتاب الزكاة(باب لو إن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً).
45 ـ دراسات في النفس الإنسانية، محمد قطب.
46 ـ ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حج ، الأعلام، طبقات المفسرين، الادنروي، وصور من حياة الصحابة، د. عبد الرحمن الباشا.
47 ـ النظامي العروضي السمرقندي، جهار مقالة، بترجمة عبد الوهاب عزام ويحيى الخشاب، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1949.










فهرس الموضوعات
الموضوع                                                                 الصفحة
المقدمة                                                                       1
النفس                                                                         4            
تعريف النفس ودلالاتها في اللغة                                         4
تعريف النفس اصطلاحا                                                   7
النفس عند علماء المسلمين قديما                                        9
الخلاف بين العلماء في أن النفس هي الروح                          9
ابن مسكويه                                                                 10
أبو حامد الغزالي                                                           10
الكندي                                                                       11
ابن سينا                                                                     11
علاقة النفس بالجسد عند ابن سينا                                      12            
البراهين على وجود النفس ومغايرتها عن البدن والروح عند ابن سينا 12
دَلالاتُ النَّفْسِ حَسَب مُقْتَضَيات السِّياق القُرْآني لِلآيات                      13
تفسير الآيات التي اشتملت على كلمة نفس في القرآن الكريم        13
السور التي لا توجد فيا كلمة نفس                                            83
الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء                                       83
تكوين النفس في الإنسان                                                  83
النفس برزخ فاصل بين الروح والجسد                                      84
عناصر الإنسان ثلاثة : الجسد ، النفس ، الروح                      89
النفس صورة الإنسان وكيانه                                                 91
العقل تبع للنفس السماوية المائلة للروح                                92
الهوى تبع للنفس الأرضية المائلة للجسد                                    94
الصراع الدائر بين العقل والهوى في النفس                          95
أنواع النفس في القرآن الكريم                                           98
ميزة النفس                                                                 111
الثغرات في النفس الإنسانية                                              116
سبل إبليس في إغواء الناس                                              117
النفس لها القدرة على التغيير                                                 118
الرسالات السماوية نزلت لتهذيب النفوس وإصلاحها                       135
النفس السوية                                                                 143
أمراض النفس وعلاجها                                                   145
العلاج النفسي للمعاصي والإدمان عليها                                147
أسس العلاج النفسي الموجه إسلاميا                                     148                                
موت النفس                                                                   149
         
تتتت ةنن 

1 comment:

  1. احصلوا الن على خدمات افضل مركز زراعة شعر في تركيا مقدمة اليكم من خبراء زراعة الشعر في اسطنبول و هذا بأقل تكلفة زراعة الشعر في تركيا تواصلوا معنا و قوموا بزيارتنا للحصول على افضل مستوى خدمة

    ReplyDelete